الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱللَّهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { للَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

القراءة: قرأ نافع وحده يوم ينفع بالنصب والباقون بالرفع. الحجة: قال أبو علي: من رفع يوماً جعله خبر المبتدأ الذي هو هذا وأضاف يوماً إلى ينفع والجملة التي هي من المبتدأ والخبر في موضع نصب بأنه مفعول القول كما تقول: قال زيد عمرو أخوك ومن قرأ هذا يوم ينفع احتمل أمرين أحدهما: أن يكون مفعول قال: تقديره قال الله هذا القصص أو هذا الكلام { يوم ينفع الصادقين } صدقهم فيوم ظرف للقول وهذا إشارة إلى ما تقدم ذكره من قولـه: { إذ قال الله يا عيسى ابن مريم } وجاء على لفظ الماضي وإن كان المراد به الآتي كما قال: ونادى أصحاب الجنة ونحو ذلك وليس ما بعد. قال حكاية في هذا الوجه كما كان إياها في الوجه الآخر ويجوز أن يكون المعنى على الحكاية وتقديره: قال الله: هذا يوم ينفع أي هذا الذي اقتصصنا يقع أو يحدث يوم ينفع وخبر المبتدأ الذي هو هذا الظرف لأَنه إشارة إلى حدث وظروف الزمان تكون أخباراً عن الأَحداث والجملة في موضع نصب بأنها في موضع مفعول. قال: ولا يجوز أن تكون في موضع رفع وقد فتح لأَن المضاف إليه معرب وإنما يكتسب البناء من المضاف إليه إذا كان المضاف إليه مبنياً والمضاف مبهماً كما يكون ذلك في هذا الضرب من الأَسماء إذا أضيف إلى ما كان مبنياً نحو ومن خزي يومئذٍ ومن عذاب يومئذ وصار في المضاف البناء للإِضافة إلى المبني كما صار فيه الاستفهام للإِضافة إلى المستفهم به نحو غلام من أنت وكما صار فيه الجزاء نحو علام من تضرب اضرب وليس المضارع في هذا كالماضي في نحو قولـه:
عَلى حِينَ عاتَبْتُ الْمَشيبَ عَلَى الصِّبّا   فَقُلْــتُ أَلمَّا أَصْحُ وَالشَّيْــبُ وازعُ
لأَن الماضي مبني والمضارع معرب وإذا كان معرباً لم يكن شيء يحدث من أجله البناء في المضاف والإِضافة إلى الفعل نفسه في الحقيقة لا إلى مصدره ولو كانت الإِضافة إلى المصدر لم يبن المضاف لبناء المضاف إليه. المعنى: لمَّا بيَّن عيسى بطلان ما عليه النصارى قال الله تعالى: { هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم } يعني ما صدقوا فيه في دار التكليف لأَن يوم القيامة لا تكليف فيه على أحد ولا يخبر أحد فيه إلا بالصدق ولا ينفع الكفار صدقهم في يوم القيامة إذا أقرّوا على أنفسهم بسوء أعمالهم. وقيل: إن المراد بصدقهم تصديقهم لرسل الله تعالى وكتبه. وقيل: إنه الصدق في الآخرة وأنه ينفعهم لقيامهم فيه بحق الله فعلى هذا يكون المراد به صدقهم في الشهادة لأنبيائهم بالبلاغ. { لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً } أي دائمين فيها في نعيم مقيم لا يزول { رضي الله عنهم } بما فعلوا { ورضوا عنه } بما أعطاهم من الجزاء والثواب { ذلك الفوز العظيم } هو ما يحصلون فيه من الثواب.

السابقالتالي
2