الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } * { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

اللغة: النفس تقع على وجوه فالنفس نفس الإنسان وغيره من الحيوان وهي التي إذا فارقها خرج من كونه حياً ومنه قولـه:كل نفس ذائقة الموت } [آل عمران: 185] والنفس أيضاً ذات الشيء الذي يخبر عنه كقولـهم فعل ذلك فلان نفسه والنفس أيضاً الإرادة كما في قول الشاعر:
فَنَفْسايَ نَفْسٌ قالَتِ ائتِ ابْنَ بَحدَلٍ   تَجِدْ فَرَجاً مِنْ كُلّ غمَّى تهابُها
وَنَفْسٌ تَقُولُ اجْهَدْ بِخائِك لا تكنْ   كخاضِبَةٍ لَمْ يُغْنِ شَيْئاً خِضابُها
وقال النمر بن تولب:
أمَّا خَليلي فَإنّي لَسْـــتُ مُعْجِـلُهُ   حَتَّـى يُؤامِـرُ نَفْسَيْــهِ كَما زَعَما
نَفْسٌ لَهُ مِنْ نُفُوسِ الْقَوْمِ صالِحَةٌ   تُعْطي الْجَزيلَ ونَفْسٌ تَرْضَعُ الغَنَما
يريد أنه بين نفسين نفس تأمره بالجود وأخرى تأمره بالبخل وكنى برضاع الغنم عن البخل كما يقال: لئيم راضع والنفس العين التي تصيب الإنسان وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقي فيقول: " بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل داء هو فيك من كل عين عاين ونفس نافس وحسد حاسد ". قال ابن الأعرابي: النفوس الذي تصيب الناس بالنفس وذكر رجلاً فقال كان حسوداً نفوساً كذوباً. وقال ابن قيس الرقيات:
يَتَّقي أهْلُها الْنُّفُوسَ عَلَيْهـــا   فَعَلى نَحْرِهَا الرُّقى وَالتَّمِيمُ
وقال مضرس:
وَإذا نَمَوا صُعُداً فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ   مِنَّا الخِيالُ وَلا نُفُوسُ الْحُسَّدِ
والنفس الغَيْب يقال: إني لأعلم نفس فلان أي غيبة وعلى هذا تأويل الآية ويقال النفس أيضاً العقوبة وعليه حمل بعضهم قولـه تعالى:ويحذركم الله نفسه } [آل عمران: 28، 30] والرقيب أصله من الترقب وهو الانتظار ومعناه الحافظ ورقيب القوم حارسهم والشهيد الشاهد لما يكون ويجوز أن يكون بمعنى العليم. الإعراب: حقيقة إذ أن يكون لما مضى وهذا معطوف على ما قبله فكأنه. قال: يوم يجمع الله الرسل فيقول: ماذا أجبتم وذلك إذ يقول: يا عيسى. وقيل: إنه تعالى إنما قال له: ذلك حين رفعه إليه فيكون القول ماضياً عن البلخي وهذا قول السدي والصحيح الأول لأن الله عقَّب هذه الآية بقولـه { هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم } وأراد به يوم القيامة وإنما خرج هذا مخرج الماضي وهو للمستقبل تحقيقاً لوقوعه كقولـه تعالى: { ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار } ومثله. قولـه:ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت } [سبأ: 51] يريد إذ يفزعون. وكذلك قولـه:ولو ترى إذ وقفوا على النار } [الأنعام: 27] وقال أبوالنجم:
ثُمَّ جَزاهُ اللهُ عَنّي إذْ جَــزى   جَنَّاتِ عَدْنٍ في الْعَلالِيّ العُلا
من دون الله من زائدة مؤكدة للمعنى. قولـه: { إن كنت قلته } المعنى إن أكن الآن قلته فيما مضى وليس كان فيه على المعنى لأن الشرط والجزاء لا يقعان إلا فيما يستقبل وحرف الجزاء يغيّر معنى المضيّ إلى الاستقبال لا محالة هذا قول المحققين وقولـه { أن اعبدوا الله } ذكر في محله وجوه.

السابقالتالي
2 3