الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } * { قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّيۤ أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ }

القراءة: قرأ أهل المدينة والشام وعاصم مُنزّلها بالتشديد والباقون منزلها مخففة. الحجة: يقوي التخفيف قولـه: { أنزل علينا مائدة } والأولى أن يكون الجواب على وفق السؤال والوجه في التشديد أن نَزَّل وأنزل بمعنى واحد. اللغة: العيد: اسم لما عاد إليك من شيء في وقت معلوم حتى قالوا للخيال عيد ولما يعود إليك من الحزن عيد قال الأعشى:
فَوا كَبِدي مِنْ لاعِجِ الهَمِّ وَالهَوى   إذَا اعْتادَ قَلْبي مِنْ أُمَيْمَةَ عيدُها
وقال الليث العيد كل يوم مجمع. قال العجاج:
كما يعود العيدَ نصرانيُّ   
قال المفضل: عادني عيدي أي عادتي وأنشد:
عاد قلبي من الطويلة عيدُ   
وإنما قول تأبط شراً:
يا عيد ما لك من شوقٍ وإيراقِ   
فإنه أراد الخيال الذي يعتاده. الإعراب: تكون لنا في موضع النصب صفة لمائدة ولنا في موضع الحال لأن تقديره تكون عيداً لنا فقولـه لنا صفة لعيد فلما تقدمه انتصب على الحال وقولـه: { لأولنا وآخرنا } بدل من قولـه: لنا. المعنى: ثُمّ أخبر سبحانه عن سؤال عيسى ع إياه فقال: { قال عيسى ابن مريم } عن قومه لمَّا التمسوا منه. وقيل: إنه إنما سأل ربه ذلك حين أذن له في السؤال: { اللهم ربنا أنزل علينا مائدة } أي خواناً عليه طعام: { من السماء تكون لنا عيداً }. قيل في معناه قولان: أحدهما: نتخذ اليوم الذي تنزل فيه عيداً نعظمه نحن ومن يأتي بعدنا عن السدي وقتادة وابن جريج وهو قول أبي علي الجبائي والثاني: أن معناه تكون عائدة فضل من الله علينا ونعمة منه لنا والأول هو الوجه: { لأولنا وآخرنا } أي لأهل زماننا ومن يجىء بعدنا. وقيل: معناه يأكل منها آخر الناس كما يأكل أولهم عن ابن عباس: { وآية منك } أي دلالة منك عظيمة الشأن في إزعاج قلوب العباد إلى الإقرار بمدلولها والاعتراف بالحق الذي تشهد به ظاهرها تدل على توحيدك وصحة نبوة نبيك. { وارزقنا } أي واجعل ذلك رزقاً لنا. وقيل: معناه وارزقنا الشكر عليها عن الجبائي: { وأنت خير الرازقين } وفي هذا دلالة على أن العباد قد يرزق بعضهم بعضاً لأنه لو لم يكن كذلك لم يصح أن يقال له سبحانه: { وأنت خير الرازقين } كما لا يجوز. أن يقال: أنت خير الآلهة لما لم يكن غيره إلهاً { قال الله } مجيباً له إلى ما التمسه: { إني منزلها } يعني المائدة: { عليكم فمن يكفر بعد منكم } أي بعد إنزالها عليكم: { فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين }. قيل في معناه أقوال: أحدها: إنه أراد عالمي زمانه فجحد القوم فكفروا بعد نزولها فمسخوا قردة وخنازير عن قتادة وروي عن أبي الحسن موسى أنهم مسخوا خنازير وثانيها: أنه أراد عذاب الاستئصال وثالثها: أنه أراد جنساً من العذاب لا يعذب به أحداً غيرهم وإنما استحقوا هذا النوع من العذاب بعد نزول المائدة لأنهم كفروا بعد ما رأوا الآية التي هي من أزجر الآيات عن الكفر بعد سؤالهم لها فاقتضت الحكمة اختصاصهم بفن من العذاب عظيم الموضع كما اختصت آيتهم بفن من الزجر عظيم الموقع.

السابقالتالي
2 3