الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }

اللغة: الذكر هو حضور المعنى للنفس وقد يستعمل الذكر بمعنى القول لأن من شأنه أن يذكر به المعنى والتذكر طلب المعنى لا طلب القول والهَمُّ بالأمر هو حديث النفس بفعله يقال: هَمَّ بالأمر يهمّ همّاً ومنه الهم وهو الفكر الذي يغمّ وجمعه هموم وأهمَّه الأمر إذا عني به فحدث نفسه به والفرق بين الهمّ بالشيء والقصد إليه أنه قد يهمّ بالشيء قبل أن يريده ويقصده بأن يحدث نفسه به وهو مع ذلك مقبل على فعله. المعنى: ثم خاطب الله سبحانه المؤمنين وذكرهم نعمته عليهم بما دفع عنهم كيد الأعداء فقال { يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ همّ قوم } أي قصدوا { أن يبسطوا إليكم أيديهم } واختلف فيمن بسط إليهم الأيدي على أقوال أحدها: " أنهم اليهود هَمُّوا بأن يفتكوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وهم بنو النضير دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جماعة من أصحابه عليهم وكانوا قد عاهدوه على ترك القتال وعلى أن يعينوه في الديات فقال صلى الله عليه وسلم: " رجل من أصحابي أصاب رجلين معهما أمان مني فلزمني ديتهما فأريد أن تعينوني " " فقالوا: نعم اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا وهمّوا بالفتك بهم فآذن الله به رسوله، فأطلع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على ذلك وانصرفوا وكان ذلك إحدى معجزاته عن مجاهد وقتادة وأكثر المفسرين. وثانيها: أن قريشاً بعثوا رجلاً ليقتل النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليه وفي يده سيف مسلول فقال له: أرنيه فأعطاه فلما حصل في يده قال: ما الذي يمنعني من قتلك قال الله يمنعك فرمى السيف وأسلم واسم الرجل عمرو بن وهب الجمحي بعثه صفوان بن أمية ليغتاله بعد بدر وكان ذلك سبب إسلام عمرو بن وهب عن الحسن. وثالثها: أن المعنى بذلك ما لطف الله للمسلمين من كفّ أعدائهم عنهم حين همّوا باستئصالهم بأشياء شغلهم بها من الأمراض والقحط وموت الأكابر وهلاك المواشي وغير ذلك من الأسباب التي انصرفوا عندها عن قتل المؤمنين عن أبي علي الجبائي. ورابعها: ما قاله الواقدي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا جمعاً من بني ذبيان ومحارب بذي أمر فتحصنوا برؤوس الجبال ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث يراهم فذهب لحاجته فأصابه مطر فبلّ ثوبه فنشره على شجرة واضطجع تحته والأعراب ينظرون إليه فجاء سيدهم دعثور بن الحارث حتى وقف على رأسه بالسيف مشهوراً فقال: يا محمد من يمنعك مني اليوم. فقال: " الله " ودفع جبرائيل في صدره ووقع السيف من يده وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام على رأسه وقال: " من يمنعك اليوم مني " قال: لا أحد وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله " فنزلت الآية وعلى هذا فيكون تخليص النبي صلى الله عليه وسلم مما همّوا به نعمة على المؤمنين من حيث إن مقامه بينهم نعمة عليهم فلذلك اعتدّ به عليهم وقولـه: { فكفَّ أيديهم عنكم } أي منعهم عن الفتك بكم { واتقوا الله } ظاهر المعنى { وعلى الله فليتوكل } أي فليتق { المؤمنون } بنصر الله وليتوكلوا عليه فإن الله تعالى كافيهم وناصرهم.