الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

القراءة: روي في الشواذ عن الحسن لا يَضِرْكم وعن إبراهيم لا يَضُرْكم. الحجة: وفي ذلك أربع لغات ضاره يضوره وضاره يضيره وضَرّه يَضُرّه وهي عربية أعني يفعل في المضاعف متعدية وإنما جزم يَضِرْكم ويَضُرْكم لأَنه جواب الأَمر وهو قولـه: { عليكم أنفسكم } ويجوز أن يكون لا هنا بمعنى النهي فيكون يضركم مجزوماً به. الإِعراب: قال الزجاج { عليكم أنفسكم } أجريت مجرى الفعل فإذا قلت عليك زيداً فتأويله ألزم زيداً وعليكم أنفسكم معناه ألزموا أمر أنفسكم. وقال غيره: العرب تأمر من الصفات بعليك وعندك ودونك فتعديها إلى المفعول وتقيمها مقام الفعل فينتصب بها على الإِغراء تقول عليك زيداً كأنه قيل: خذ زيداً فقد علاك أي أشرف عليك وعندك زيداً أي حضرك فخذه ودونك أي قرب منك فخذه، وقد تقيم العرب غير هذه الأَحرف مقام الفعل لكن لا تعديه إلى المفعول وذلك نحو قولـهم: إليك عني أي تأخر عني وورائك بمعناه قالوا ولا يجوز ذلك إلا في الخطاب لو قلت عليه زيداً لم يجز وقولـه { لا يضركم } الأَجود أن يكون إعرابه رفعاً ويكون على جهة الخبر ويجوز أن يكون موضعه جزماً ويكون الأَصل لا يضرركم إلا أن الراء الأُولى أدغمت في الثانية فضمت الثانية لالتقاء الساكنين ويجوز في العربية لا يضرّكَم بفتح الراء ولا يضرِّكم بكسرها فالضم لاتباع الضم والفتح للخفة والكسر لأَن أصل التقاء الساكنين الكسرة وهذا النهي بلفظ غائب يراد به المخاطبون إذا قلت لا يضررك كفر فلان فمعناه لا تعدن أنت كفره ضرراً كما أنك إذا قلت لا أرينك ههنا فالنهي في اللفظ لنفسك فمعناه لمخاطبك ومعناه لا تكونن هُنا. المعنى: لَمّا بيَّن الله سبحانه حكم الكفار الذين قلَّدوا آباءهم وأسلافهم وركنوا إلى أديانهم عقَّبه بالأَمر بالطاعة وبيان أن المطيع لا يؤاخذ بذنوب العاصي. فقال: { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم } معناه احفظوا أنفسكم من ملابسة المعاصي والإِصرار على الذنوب عن الفراء وغيره. وقيل: معناه ألزموا أمر أنفسكم فإنما ألزمكم الله أمرها عن الزجاج وهذا موافق لما روي عن ابن عباس أن معناه أطيعوا أمري واحفظوا وصيتي { لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } أي لا يضركم ضلال من ضل من آبائكم وغيرهم إذا كنتم مهتدين ويقال هل تدل هذه الآية على جواز ترك الأَمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجوابه أن في هذا وجوهاً: أحدها: أن الآية لا تدل على ذلك بل توجب أن المطيع لربه لا يؤاخذ بذنوب العاصي وثانيها: أن الاقتصار على الاهتداء باتباع أمر الله إنما يجوز في حال التقية أو حال لا يجوز تأثير إنكاره فيها أو يتعلق بإنكاره مفسدة وروي أن أبا ثعلبة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية.

السابقالتالي
2