الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ } * { مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }

اللغة: البحر الشق وبحرت إذن الناقة أبْحَرها بَحْراً إذا شققتها شقّاً واسعاً والناقة بحيرة وهي فعيلة بمعنى المفعول مثل النطيحة والذبيحة وأصل الباب السعة وسمي البحر بحراً لسعته وفرس بَحْر واسع الجري وفي الحديث أنه ع قال لفرس له: " وجدته بَحْراً " والسائبة فاعلة من ساب الماء إذا جرى على وجه الأَرض ويقال سَيّبت الدابة أي تركتها تسيب حيث شاءت ويقال للعبد يعتق ولا ولاء عليه لمعتقه سائبة لأَنه يضع ماله حيث شاء وأصله المخلاة وهي المسيبة وأخذتْ من قولـهم: سابت الحية وانسابت إذا مضت مستمرة والوصل نقيض الفصل، ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة وهي التي تصل شعر المرأة بشعر آخر فالوصيلة بمعنى الموصولة كأنها وصلت بغيرها ويجوز أن يكون بمعنى الواصلة لأَنها وصلت أخاها وهذا أظهر في الآية وأنشد أهل اللغة في البحيرة:
مُحَرَّمَةٌ لا يَأْكُلُ النَّاسُ لَحْمَها   وَلا نَحْـنُ فِي شَيْءٍ كَذاكَ الْبَحائِر
وأنشدوا في السائبة:
وَسائِبَةٌ للهِ ما لِي تَشَكُّــراً   إنِ الله عافى عامِراً وَمُجاشِعا
وأنشدوا في الوصيلة لتأبط شراً:
أجَدَّكَ إمّا كُنْتَ فِي النَّاسِ ناعِقـاً   تُراعِي بِأَعْلى ذِي الْمَجازِ الْوَصائِلا
وأنشد في الحامي:
حَماها أبُو قابُوسَ فِي غَيْرِ كُنْهِهِ كَما   قَدْ حَمى أوْلادٌ أوْلادِهِ الْفَحْلا
المعنى: ثم أخبر سبحانه أن قوماً سألوا مثل سؤالهم فلما أجيبوا إلى ما سألوا كفروا. فقال: { قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين } وفيه أقوال أحدها: أنهم قوم عيسى ع سألوه إنزال المائدة ثم كفروا بها عن ابن عباس وثانيها: أنهم قوم صالح سألوه الناقة ثم عقروها وكفروا بها وثالثها: أنهم قريش حين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يحول الصفا ذهباً عن السدي ورابعها: أنهم كانوا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذه الأَشياء يعني من أبى ونحوه فلما أخبرهم بذلك قالوا ليسِ الأَمر كذلك فكفروا به فيكون على هذا نهياً عن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن أنساب الجاهلية لأَنهم لو سألوا عنها ربما ظهر الأَمر فيها على خلاف حكمهم فيحملهم ذلك على تكذيبه عن أبي علي الجبائي. فإن قيل: ما الذي يجوز أن يسأل عنه وما الذي لا يجوز فالجواب إن الذي يجوز السؤال عنه هو ما يجوز العمل عليه في الأَمور الدينية أو الدنيوية وما لا يجوز العمل عليه في أمور الدين والدنيا لا يجوز السؤال عنه فعلى هذا لا يجوز أن يسأل الإِنسان مَن أبى لأَن المصلحة قد اقتضت أن يحكم على كل من ولد على فراش إنسان بأنه ولده وإن لم يكن مخلوقاً من مائه فالمسألة بخلاف ذلك سفه لا يجوز ثم ذكر سبحانه الجواب عما سألوه عنه.

السابقالتالي
2 3