الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ }

بسم الله الرحمن الرحيم القراءة: المشهور في القراءة { حُرُم } بضمتين وفي الشواذ عن الحسن ويحيى بن وثاب حُرْم ساكنة الراء. الحجة: وهذا كما يقال في رُسُل وكُتُب رُسْل وكُتْب قال ابن جني: في إسكان حُرُم مزية وذلك أن الراء فيه تكرير فكادت الراء الساكنة لما فيها من التكرير تكون في حكم المتحرك كزيادة الصوت بالتكرير نحواً من زيادته بالحركة. اللغة: يقال وفى بعهده وفاء وأوفى إيفاء بمعني وأوفى لغة أهل الحجاز وهي لغة القرآن والعقود جمع عقد بمعنى معقود وهو أوكد العهود والفرق بين العقد والعهد أن العقد فيه معنى الاستيثاق والشدّ ولا يكون إلاّ بين متعاقدين والعهد قد ينفرد به الواحد فكل عهد عقد ولا يكون كل عقد عهداً واصله عقد الشيء بغيره وهو وصله به كما يعقد الحبل ويقال أعقدت العسل فهو معقد وعقيد قال عنترة:
وَكَأَنَّ رُبّاً أَوْ كُحَيْلاً مُعَقَداً   حَشَّ الوَقُودَ بِه جَوانِبَ قُمْقَمِ
والبهيمة اسم لكل ذي أربع من دواب البرّ والبحر. وقال الزجاج: كل حيّ لا يميز فهو بهيمة وإنما سميت بهيمة لأنها أبهمت عن أن يميز والحرُمُ جمع حرام. يقال: رجل حرام وقوم حرم قال الشاعر:
فَقُلْتُ لَها فيئي إلَيكِ فَإنَّني   حَرامٌ وإنّي بَعْدَ ذاكَ لبيبُ
أي مُلَبَّ. الإعراب: موضع { ما يتلى عليكم } نصب بالاستثناء { وغير محلي الصيد } اختلف فيه فقيل إنه منصوب على الحال مما في قولـه: { أوفوا بالعقود } من ضمير الذين آمنوا عن الأخفش، وقيل: إنه حال من الكاف والميم في قولـه: { أحلت لكم بهيمة الأنعام } عن الكسائي. وقيل: إنه حال من الكاف والميم في قولـه: { إلا ما يتلى عليكم } عن الربيع، و { أنتم حرم } جملة في موضع الحال من محلي الصيد، والصيد مجرور في اللفظ منصوب في المعنى. وقال الفراء: يجوز أن يكون ما يتلى عليكم في موضع رفع كما يقال: جاء إخوتك إلاّ زيد. وقال الزجاج: وهذا عند البصريين باطل لأن المعنى على هذا التأويل جاء إخوتك وزيد كأنه يعطف بإلا كما يعطف بلا ويجوز عند البصريين جاء الرجل إلاّ زيد على معنى جاء الرجل غير زيد فيكون إلاَّ زيد صفة للنكرة أو ما قارب النكرة من الأجناس. المعنى: خاطب الله سبحانه المؤمنين فقال: { يا أيها الذين آمنوا } وتقديره يا أيها المؤمنون وهو اسم تكريم وتعظيم { أوفوا بالعقود } أي بالعهود عن ابن عباس وجماعة من المفسرين ثم اختلف في هذه العهود على أقوال أحدها: أن المراد بها العهود التي كان أهل الجاهلية عاهد بعضهم بعضاً فيها على النصرة والمؤازرة والمظاهرة على من حاول ظلمهم أو بغاهم سُوءاً وذلك هو معنى الحلف عن ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس والضحاك وقتادة والسدي وثانيها: أنها العهود التي أخذ الله سبحانه على عباده بالإيمان به وطاعته فيما أحلّ لهم أو حرّم عليهم عن ابن عباس أيضاً وفي رواية أخرى قال: هو ما أحلّ وحرّم وما فرض وما حدّ في القرآن كلّه أي فلا تتعدوا فيه ولا تنكثوا ويؤيده قولـه: { والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه } إلى قولـه:

السابقالتالي
2