الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } * { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً } * { وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً } * { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } * { سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ ٱللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير عاصم ضرّاً بضم الضاد يبدلوا كلم الله بغير ألف والباقون ضراً بالفتح كلام الله بالألف. الحجة: قال أبو علي: الضر خلاف النفع وفي التنزيلما لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً } [المائدة: 76] والضر سوء الحال وفي التنزيلفكشفنا ما به من ضر } [الأنبياء: 84] هذا الأبين في هذا الحرف عندي ويجوز أن يكونا لغتين في معنى كالفَقر والفُقر والضَعف والضُعف ومن قرأ كلام الله فوجهه أنه قيل فيهم لن تخرجوا معي أبدأ فخص الكلام بما كان مفيداً وحديثاً فقال كلام الله ومن كلم الله قال الكلم قد يقع على ما يقع عليه الكلام وعلى غيره وإن كان الكلام بما ذكرنا أخص ألا ترى أنه قالوتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرآئيل } [الأعراف: 137] فإنما هو والله أعلم ونريد أن نمنَّ على الذين استضعفوا في الأرض وما يتصل به. اللغة: المخلّف هو المتروك في المكان خلف الخارجين من البلد وهو مشتق من الخلف وضده المقدم والأعراب الجماعة من عرب البادية وعرب الحاضرة ليسوا بأعراب فرقوا بينهما وإن كان اللسان واحداً والبور الفاسد الهالك وهو مصدر لا يثنى ولا يجمع يقال رجل بور ورجال بور قال:
يا رَسُولَ الْمَلِيكِ إنَّ لِساني   راتِــقٌ ما فَتَقْتُ إذ أَنُا بُورُ
وقال حسان:
لاَ يَنْفَـعُ الطُّــوْلُ مِنْ نُـوكِ الْقُلُوبِ وَقَدْ   يَهْدي الإِلهُ سَبيلَ الْمَعْشَرِ الْبُورِ
المعنى: ثم أخبر سبحانه عمن تخلف عن نبيه صلى الله عليه وسلم فقال { سيقول لك المخلفون من الأعراب } أي الذين تخلفوا عن صحبتك في وجهتك وعمرتك وذلك أنه لما أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمراً وكان في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة استنفر من حول المدينة إلى الخروج معه وهم غفار وأسلم ومزينة وجهينة وأشجع والدئل حذراً من قريش أن يعرضوا له بحرب أو بصدّ وأحرم بالعمرة وساق معه الهدي ليعلم الناس أنه لا يريد حرباً فتثاقل عنه كثير من الاعراب فقالوا نذهب معه إلى قوم قد جاءوه فقتلوا أصحابه فتخلفوا عنه واعتلوا بالشغل فقال سبحانه أنهم يقولون لك إذا انصرفت إليهم فعاتبتهم على التخلف عنك { شغلتنا أموالنا وأهلونا } عن الخروج معك { فاستغفر لنا } في قعودنا عنك. فكذّبهم الله تعالى فقال { يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم } كذبهم في اعتذارهم بما أخبر عن ضمائرهم وأسرارهم أي لا يبالون استغفر لهم النبي صلى الله عليه وسلم أم لا { قل } يا محمد { فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً أو أراد بكم نفعاً } أي فمن يمنعكم من عذاب الله إن أراد بكم سوءاً ونفعاً أي غنيمة عن ابن عباس وذلك أنهم ظنوا أنّ تخلّفهم عن النبي صلى الله عليه وسلم يدفع عنهم الضر أو يُعجل لهم النفع بالسلامة في أنفسهم وأموالهم فأخبرهم سبحانه أنه إن أراد بهم شيئاً من ذلك لم يقدر أحد على دفعه عنهم { بل كان الله بما تعملون خبيراً } أي عالماً بما كنتم تعملون في تخلفكم.

السابقالتالي
2