الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَالَكُمْ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } * { فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ }

القراءة: قرأ أبو بكر وليبلونكم وما بعده بالياء وهو المروي عن أبي جعفر الباقر ع والباقون بالنون وقرأ يعقوب ونبلو ساكنة الواو. الحجة: قال أبو علي وجه الياء أن قبله والله يعلم أعمالكم واسم الغيبة أقرب إليه من لفظ الجمع فحمل على الأقرب ووجه النون قوله { ولو نشاء لأريناكهم } اللغة: يقال وتره يتره إذا نقصه ومنه الحديث: " فكأنه وتر أهله وماله " وأصله القطع ومنه الترة القطع بالقتل ومنه الوتر المنقطع بانفراده عن غيره. المعنى: ثم أقسم سبحانه فقال { ولنبلونكم } أي نعاملكم معاملة المختبر بما نكلفكم به من الأمور الشاقة { حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين } أي حتى يتميز المجاهدون في سبيل الله من جملتكم والصابرون على الجهاد. وقيل: معناه حتى يعلم أولياؤنا المجاهدين منكم وإضافة إلى نفسه تعظيماً لهم وتشريفاً كما قالإن الذين يؤذون الله ورسوله } [الأحزاب: 57] أي يؤذون أولياء الله. وقيل: معناه حتى نعلم جهادكم موجوداً لأن الغرض أن تفعلوا الجهاد فيثيبكم على ذلك { ونبلوا أخباركم } أي نختبر أسراركم بما تستقبلونه من أفعالكم. { إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله } أي امتنعوا عن اتباع دين الله ومنعوا غيرهم من اتباعه تارة وبالإغواء أخرى { وشاقّوا الرسول } أي عاندوه وعادوه { من بعد ما تبين لهم الهدى } أي من بعد ما ظهر لهم أنه الحق وعرفوا أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم { لن يضروا الله } بذلك { شيئاً } وإنما ضرّوا أنفسهم { وسيحبط } الله { أعمالهم } فلا يرون لها في الآخرة ثواب وفي هذه الآية دلالة على أن هؤلاء الكفار كانوا قد تبين لهم الهدى فارتدوا عنه فلم يقبلوه عناداً وهم المنافقون. وقيل: إنهم أهل الكتاب ظهر لهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبلوه. وقيل: هم رؤساء الضلالة جحدوا الهدى طلباً للجاه والرياسة لأن العناد يضاف إلى الخواص. { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله } بتوحيده { وأطيعوا الرسول } بتصديقه. وقيل: أطيعوا الله في حرمة الرسول وأطيعوا الرسول في تعظيم أمر الله { ولا تبطلوا أعمالكم } بالشك والنفاق عن عطاء. وقيل: بالرياء والسمعة عن الكلبي. وقيل: بالمعاصي والكبائر عن الحسن. { إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله } مضى معناه { ثم ماتوا وهم كفار } أي أصروا على الكفر حتى ماتوا على كفرهم { فلن يغفر الله لهم } أبداً لأن لفظ لن للتأبيد. { فلا تهنوا } أي فلا تتوانوا ولا تضعفوا عن القتال { وتدعوا إلى السلم } أي ولا تدعوا الكفار إلى المسالمة والمصالحة { وأنتم الأعلون } أي وأنتم القاهرون الغالبون عن مجاهد. وقيل: إن الواو للحال أي لا تدعوهم إلى الصلح في الحال التي تكون الغلبة لكم فيها. وقيل: إن ابتداء إخبار من الله عن حال المؤمنين أنهم الأعلون يداً ومنزلة آخر الأمر وإن غلبوا في بعض الأحوال { والله معكم } أي بالنصرة على عدوكم { ولن يتركم أعمالكم } أي لن يقصكم شيئاً من ثوابها بل يثيبكم عليها ويزيدكم من فضله عن مجاهد. وقيل: معناه لن يظلمكم عن ابن عباس وقتادة وابن زيد.