الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } * { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } * { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ } * { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ }

القراءة: روي في بعض الروايات عن ابن كثير أنفاً بالقصر والقراءة المشهورة آنفاً بالمد. الحجة: قال أبو علي أنشد أبو زيد:
وَجَــدنا آلَ مُـــرَّةَ حِيـــنَ خِفْنــا   جَــرِيرَتَنا هُــمُ الأُنُــف الكِراما
وَيَسْرَحُ جارُهُمْ مِنْ حَيْثُ يَمْسِي   كَـــأَنَّ عَلَيْــهِ مُــؤْتَنَفـــاً حَرامـــا
أي كأن عليه حرمة شهر مؤتنف حرام فحذف والأنف الذين يأنفون من احتمال الضيم قال أبو علي: فإذا كان كذلك فقد جمع فَعِل على فُعُل لأن واحد أُنُف أنِف بدلالة قول الشاعر:
وَحَمَّـــالُ المِئِيــــنَ إذا أَلَّمتْ   بِنا الحَدَثان والأَنِفُ النّصُورُ
وليس الأُنُف والإِنِف في البيتين مما في الآية في شيء لأن ما في الشعر من الآنَفَةَ وما في الاية من الابتداء ولم يسمع أنف في معنى ابتداء ويجوز أن يكون توهمه ابن كثير مثل حاذر وحذِر وفاكه وفكِه والوجه المد والآنف الجائي من الائتناف وهو الابتداء فقوله آنفاً أي في أول وقت يقرب منا. اللغة: الأهواء جمع الهوى وهو شهوة النفس يقال هَوى يهوي هَوَى فهو هو واستهواه هذا الأمر أي دعاه إلى الهوى والأشراط العلامات وأشرط فلان نفسه للأمر إذا علمها بعلامة قال أوس بن حجر:
فَأشْرطَ فِيها نَفْسهُ وَهْوَ مُعْصِمُ   وألْقـــى بأَسْبابِ لَــــهُ وَتَوَكَّـلا
وواحد الأشراط شرط والشَرط بالتحريك العلامة وأشراط الساعة علاماتها والشَرَط أيضاً رذال المال قال جرير:
تَرى شَرَطَ المعْزى مُهُورَ نِسائِهِمْ   وَفِـــي شَـــرط المعْزى لَهُنَّ مُهُورُ
وأصحاب الشُرط سموا بذلك للبسهم لباساً يكون علامة لهم والشرط في البيع علامة بين المتبايعين. المعنى: ثم بين سبحانه حال المنافقين فقال { ومنهم من يستمع إليك } أي ومن الكافرين الذين تقدم ذكرهم من يستمع إلى قراءتك ودعوتك وكلامك لأنّ المنافق كافر { حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم } يعني الذين آتاهم الله العلم والفهم من المؤمنين قال ابن عباس: أنا ممن أوتوا العلم بالقرآن وعن الأصبغ بن نباته عن علي ع قال: إنا كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبرنا بالوحي فأعيه أنا ومن يعيه فإذا خرجنا قالوا { ماذا قال آنفاً } وقولهم ماذا قال آنفاً أي أيّ شيء قال الساعة وإنما قالوه استهزاء أو إظهار إنّا لم نشتغل أيضاً بوعيه وفهمه. وقيل: إنما قالوا ذلك لأنهم لم يفهموا معناه ولم يعلموا ما سمعوه. وقيل: بل قالوا ذلك تحقيراً لقوله أي لم يقل شيئاً فيه فائدة ويحتمل أيضاً أن يكونوا سألوا رياء ونفاقاً أي لم يذهب عني من قوله إلا هذا فماذا قال أعده عليّ لأحفظه وإنما قال يستمع إليك ثم قال خرجوا من عندك لأن في الأول ردّ الضمير إلى لفظة من وفي الثاني إلى معناه فإنه موحد اللفظ مجموع المعنى. ثم قال { أولئك الذين طبع الله على قلوبهم } أي وسم قلوبهم بِسِمَة الكفار أو خلّى بينهم وبين اختيارهم { واتبعوا أهواءهم } أي شهوات نفوسهم وما مالت إليه طباعهم دون ما قامت عليه الحجة.

السابقالتالي
2 3