الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ هَـٰذَا هُدًى وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلْبَحْرَ لِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ }

القراءة: قرأ ابن كثير وحفص من رجز أليم بالرفع والباقون أليم بالجر وقرأ أبو جعفر ليجز بضم الياء وفتح الزاي وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف لنجزي بالنون وكسر الزاي والنصب وقرأ الباقون ليجزي بفتح الياء وكسر الزاي. الحجة: قال أبو علي: الرجز العذاب فمن جرّ فالتقدير عدا بهم من عذاب أليم ومن رفع فالمعنى عذاب أليم من عذاب وفيه قولان أحدهما: أن الصفة قد تجيء على وجه التأكيد كما أنّ الحال قد تجيء كذلك وذلك نحو قولهنفخة واحدة } [الحاقة: 13] ومناة الثالثة الأخرى } [النجم: 20] وقولهم أمس الدّابر قال:
وَأَبى الَّذي تَرَكَ المُلُوكَ وَجَمْعَهُمُ   بَفِعــال هامِــدَة كَأَمْــسِ الدَّابِـــرِ
والآخر: أنّه محمول على أنه بمعنى الرجس الذي هو النجاسة على البدل للمقاربة ومعنى النجاسة فيه قولهويسقى من ماء صديد يتجرّعه ولا يكاد يسيغه } [إبراهيم: 16] فكأنّ المعنى لهم عذاب من تجرّع رجس أو شرب رجس فتكون من تبييناً للعذاب مِمّ هو؟ ومن قرأ ليجزي بالياء فحجّته أنّ ذكر الله قد تقدّم في قوله لا يرجون أيام الله فيكون فاعل يجزي ومن قرأ بالنون فالنون في معنى الياء وإن كانت الياء أشدَّ مطابقةً لما في اللفظ ومن قرأ ليجزي قوماً فقال أبو عمرو إنه لحسن ظاهر وذكر أنّ الكسائي قال إن معناه ليجزي الجزاء قوماً قال الجامع البصير معناه ليُجزي الخير قوماً فأضمر الخير لدلالة الكلام عليه وليس التقدير ليجزي الجزاء قوماً لأن المصدر لا يقوم مقام الفاعل ومعك مفعول صحيح فإذا الخبر مضمر كما أضمر الشمس في قولهحتى توارت بالحجاب } [ص: 32] لأنّ قوله إذ عرض عليه بالعشي يدل على تواري الشمس. المعنى: ثم قال سبحانه { هذا هدىً } أي هذا القرآن الذي تلوناه والحديث الذي ذكرناه هدىً أي دلالة موصلة إلى الفرق بين الحق والباطل من أمور الدين والدنيا { والذين كفروا بآيات ربهم } وجحدوها { لهم عذاب من رجز أليم } مرّ معناه. ثم نبه سبحانه خلقه على وجه الدلالة على توحيده فقال { الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره } أي جعله على هيئته لتجري السفن فيه { ولتبتغوا من فضله } أي ولتطلبوا بركوبه في أسفاركم من الأرباح بالتجارات { ولعلكم تشكرون } له هذه النعمة. { وسخّر لكم ما في السماوات وما في الأرض } أي سخر لكم مع ذلك معاشر الخلق ما في السماوات من الشمس والقمر والنجوم والمطر والثلج والبَرَد وما في الأرض من الدوابّ والأشجار والنبات والأثمار والأنهار ومعنى تسخيرها لنا أنّه تعالى خلقها جميعاً لانتفاعنا بها فهي مسخرّة لنا من حيث أنّا ننتفع بها على الوجه الذي نريده وقوله { جميعاً منه } قال ابن عباس: أي كل ذلك رحمة منه لكم قال الزجاج: كلّ ذلك منه تفضّل وإحسان ويحسن الوقف على قوله جميعاً ثم يقول منه أي ذلك التسخير منه لا من غيره فهو فضله وإحسانه وروي عن ابن عباس وعبد الله بن عمر والجحدري أنهم قرأوا منّةً منصوبة ومنوّنة وعلى هذا فيكون من باب تبسّمت وميض البرق فكأنه قال منّ عليهم منّةً وروي عن سلمة أنه قرأ منّة بالرفع وعلى هذا فيكون خبر مبتدأ محذوف أي ذلك منّة أو هو منّة أو يكون على معنى سخر لكم ذلك منّة { إن في ذلك لآيات } أي دلالات { لقوم يتفكرون } ثم خاطب سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم فقال { قل } يا محمد { للذين آمنوا يغفروا } هذا جواب أمر محذوف دل عليه الكلام وتقديره قل لهم اغفروا يغفروا فصار قل لهم على هذا الوجه يغني عنه عن عليّ بن عيسى.

السابقالتالي
2