الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ } * { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } * { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } * { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } * { وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر ينشّأ بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين والباقون ينشأ بفتح الياء وسكون النون والتخفيف وقرأ أهل الكوفة وأبو عمرو عباد الرحمن والباقون عند الرحمن وقرأ أهل المدينة أأشهدوا على أفعلوا بضم الهمزة وسكون الشين وقبلها همزة الاستفهام مفتوحة ثم تخفف الثانية من غير أن يدخل بينهما ألف وبعضهم يدخل بينهما ألفاً وقرأ الباقون أشهدوا بفتح الألف والشين. الحجة: قال أبو علي: يقال نشأت السحابة ونشأ الغلام فإذا نقل هذا الفعل بالهمزة كقولهينشئ السحاب الثقال } [الرعد: 12]ثم أنشأناه خلقاً آخر } [المؤمنون: 14] تعدّى إلى مفعول ومن قرأ يُنشَّأ كان مثل فرح وأفرح وغرّم وأغرم وموضع من نصب على تقدير اتخذوا له من ينشأ في الحلية على وجه التقريع لهم بما افتروه كما قال تعالىأم له البنات ولكم البنون } [الطور: 39] وحجة من قرأ عباد الرحمن قولهبل عباد مكرمون } [الأنبياء: 26] وحجة من قرأ عند الرحمن قولهومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون } [الأنبياء: 19] وقولهإنَّ الذين عند ربك لا يستكبرون } [الأعراف: 206] وفي هذا دلالة على رفع المنزلة والتقريب كما قالولا الملائكة المقرّبون } [النساء: 172] وليس من قرب المسافة وشهدت تستعمل على ضربين أحدهما: بمعنى الحضور والآخر: بمعنى العلم والذي بمعنى الحضور يتعدّى إلى مفعول به يدلّك على ذلك قوله:
ويـوم شهدنـاه سليمـاً وعامـراًً   
تقديره شهدنا فيه سليماً ومن ذلك قوله:
شَهِدْنا فَما تَلْقى لَنا مِنْ كَتِيبَةٍ   يَـدُ الدَّهْرِ إلاَّ جَبْرَئيلُ أَمامُها
فهذا محذوف المفعول والتقدير فيه شهدنا المعركة فهذا الضرب إذا نقل بالهمزة تعدّى إلى مفعولين تقول شهد زيد المعركة وأشهدته إياها ومن ذلك قولهما أشهدتهم خلق السماوات والأرض } [الكهف: 51] وأما شهدت الذي بمعنى علمت فيستعمل على ضربين أحدهما: أن يكون قسماً والآخر: أن يكون غير قسم فاستعمالهم إيّاه قسماً كاستعمالهم علم الله ويعلم الله قسمين تقول علم الله لأفعلن فيتلقّاه ما يتلقّى الأقسام وأنشد سيبويه:
وَلَقَـــدْ عَلِمْـتُ لَتَأْتِيَنَّ مَنِيَّتي   إنَّ الْمَنايا لا تَطيشُ سِهامُهَا
وحكي أنّ زفر كان يذهب إلى أنّه إذا قال أشهد بالله كان يميناً وإن قال أشهد ولم يقل بالله لم يره يميناً وقال محمد الشيباني أشهد غير موصولة بقوله بالله مثل أشهد موصولة بقولك بالله في أنه يمين واستشهد على ذلك بقولهقالوا نشهد إنك لرسول الله } [المنافقون:1] ثم قالوالله يشهد أن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة } [الحشر: 11] فجعله يميناً ولم يوصل بقوله بالله وأما شهدت الذي يراد به علمت ولا يراد به حضرت فهو ضرب من العلم مخصوص فكل شهادة علم وليس كل علم شهادة. وممّا يدل على اختصاصه في العلم أنّه لو قال عند الحاكم أعلم أنّ لزيد على عمرو عشرة لم يحكم بها حتى يقول أشهد فالشهادة مثل التيقن في أنه ضرب من العلم مخصوص وليس كلّ علم تيقّناً فكان معنى اشهد أيها الحاكم على كذا أعلمه علماً يحضرني وقد تذلّل لي فلا أتوقف فيه لوضوحه عندي وتبيّنه لي وليس كذلك سبيل المعلومات كلها ألا ترى أن منها ما يحتاج إلى توقف فيه واستدلال عليه.

السابقالتالي
2