الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَٱلْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } * { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ ٱلْوَلِيُّ ٱلْحَمِيدُ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ } * { وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ }

القراءة: قرأ أهل امدينة وابن عامر وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم بغير فاء والباقون بالفاء. الحجة: قال أبو علي القول في ذلك أنّ أصاب في قوله وما أصابكم يحتمل أمرين يجوز أن يكون صلة ما ويجوز أن يكون شرطاً في موضع جزم فمن قدّره شرطاً لم يجز حذف الفاء منه على قول سيبويه وقد تأوّل أبو الحسن بعض الآي على حذف الفاء في جواب الشرط وقال بعض البغداديين حذف الفاء من الجواب جائز واستدل على ذلك بقولهوإن أطعتموهم إنّكم لمشركون } [الأنعام: 121] وإذا كان صلة فالإِثبات والحذف جائزان على معنيين مختلفين أما إذا ثبت الفاء ففيه دليل على أنّ الأمر الثاني وجب بالأول وإذا لم يذكر الفاء جاز أن يكون الثاني وجب للأول وجاز أن يكون لغيره. المعنى: لمّا تقدّم وعيد أهل العصيان عقّبه سبحانه بالوعد لأهل الطاعة فقال { ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات } أي يجيبهم إلى ما يسألونه. وقيل: معناه يجيبهم في دعاء بعضهم لبعض عن معاذ بن جبل. وقيل: معناه يقبل طاعاتهم وعباداتهم ويزيدهم من فضله على ما يستحقّونه من الثواب. وقيل: معناه ويستجيب الذين آمنوا بأن يشفّعهم في إخوانهم { ويزيدهم من فضله } ويشفّعهم في إخوان إخوانهم عن ابن عباس وروي عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله ويزيدهم من فضلها: " الشفاعة لمن وجبت له النار ممّن أحسن إليهم في الدنيا ". { والكافرون لهم عذاب شديد } ظاهر المعنى ولما بيَّن سبحانه أنّه يزيد المؤمنين من فضله أخبر عقيبه أنّ الزيادة في الأرزاق في الدنيا تكون على حسب المصالح فقال { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض } أي لو وسّع الرزق على عباده على حسب ما يطلبونه لبطروا النعمة وتنافسوا وتغالبوا وظلموا في الأرض وتغلّب بعضهم على بعض وخرجوا عن الطاعة قال ابن عباس بغيهم في الأرض طلبهم منزلة بعد منزلة ودابة دابّة وملبساً بعد ملبس { ولكن ينزل بقدر ما يشآء } أي ولكنه ينزّل من الرزق قدر صلاحهم ما يشاء نظراً منه لهم عن قتادة والمعنى أنه يوسّع الرزق على من تكون مصلحته فيه ويضيّق على من يكون مصلحته فيه ويؤيده الحديث الذي رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبرائيل ع عن الله: " إنّ من عبادي من لا يصلحه إلا السقم ولو صحّحته لأفسده وإنّ من عبادي من لا يصلحه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده وإنّ من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده وذلك أنّي أدبر عبادي لعلمي بقلوبهم " والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة ومتى قيل نحن نرى كثيراً ممّن يوسع عليه الرزق يبغي في الأرض قلنا إنّا إذا علمنا على الجملة أنه سبحانه يدبر أمور عباده بحسب ما يعلم من مصالحهم فلعلّ هؤلاء كان يستوي حالهم في البغي وسّع عليهم أو لم يوسّع أو لعلّهم لو لم يوسّع عليهم لكانوا أسوأ حالاً في البغي فلذلك وسّع عليهم والله أعلم بتفاصيل أحوالهم.

السابقالتالي
2