الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } * { لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } * { وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } * { فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }

اللغة: الذرء إظهار الخلق بإيجاده يقال ذرأ الله الخلق يذرؤهم ومنه ملح ذَرآنيّ لظهور بياضه ويقال أنمى الله ذراك وذروك أي ذرّيّتك عن الأزهري وشرع الله الدين بيّن وأظهر ومنه المشرعة والشريعة لأنّهما في مكان معلوم ظاهر من الأنهار فالشريعة والشرعة الظاهر المستقيم من المذاهب التي شرعها الله. الإعراب: أن أقيموا الدين يجوز أن يكون موضعه رفعاً ونصباً وجراً على معنى هو أن أقيموا الدين والنصب على المعنى شرع لكم أن أقيموا الدين والجر على البدل من الهاء في به وجائز أيضاً أن يكون أن اقيموا الدين تفسيراً لما وصّى به نوحاً ولقومه والذي أوحينا إليك ولقوله وما وصّينا به إبراهيم فيكون المعنى لكم ولمن قبلكم إقامة الدين وترك الفرقة فيه. المعنى: ثم وصف سبحانه نفسه بما يوجب أن لا يعبد غيره فقال { فاطر السماوات والأرض } أي خالقهما ومبدعهما ابتداء { جعل لكم من أنفسكم أزواجاً } أي أشكالاً مع كلّ ذكر أنثى يسكن إليها ويألفها { ومن الأنعام أزواجاً } أي ذكوراً وإناثاً لتكمل منافعكم بها كما قالثمانية أزواج } [الأنعام: 143] فالهاء في فيه يعود إلى الجعل المراد بقوله جعل لكم. وقيل: معناه يذرؤكم في التزاوج لتكثروا به لدلالة الكلام عليه وهو ذكر الأزواج ومثله قول ذي الرمة:
وَمَيَّةُ أَحْسَنُ الثَّقَلَيْنِ جيداً   وَسالِفَــةً وَأَحْسَنُــهُ قَذالا
أي وأحسن من ذكر يعني الثقلين وقال الزجاج والفراء معناه يذرؤكم به أي يكثركم بأن جعل من أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً وأنشد الأزهري في ذلك:
وَأَرغَــبُ فِيهـا عَنْ لَقِيطٍ وَأَهْلِهِ   وَلكِنَّني عَنْ سِنْبسٍ لَسْت أَرُغَبُ
أي أرغب بها عن لقيط { ليس كمثله شيء } أي ليس مثله شيء والكاف زائدة مؤكدة لمعنى النفي قال أوس بن حجر:
وَقَتلى كَمِثْلِ جُذُوعِ النَّخِيلِ   يَغْشاهُــمُ سَبَـــل مُنْهَمِـــرْ
وقال آخر:
سَعْد بْن زَيْد إذا أَبْصَرْتَ فَضْلَهُمُ   مــا إنْ كَمِثْلِهُم في النَّاسِ مِنْ أَحَدِ
وقيل معناه إنّه لو قدّر لله تعالى مثل لم يكن لذلك المثل مثل لما تقرّر في العقول أنّ الله تعالى متفرّد بصفات لا يشاركه فيها غيره فلو كان له مثل لتفرّد بصفات لا يشاركه فيها غيره فكان هو الله وقد دلّ الدليل على أنه ليس مع الله إله آخر وقيل: فيه حذف مضاف ومثل بمعنى الصفة تقديره ليس كصاحب صفته شيء وصاحب صفته هو أي ليس كهو أي ليس كهو شيء والوجه هو الأوّل. { وهو السميع البصير } لمّا نفى أن يكون له نظير وشبيه على وجه من الوجوه بيّن أنه مع ذلك سميع بصير فإنما المدحة في أنّه لا مثل له مع كونه سميعاً بصيراً لجميع المسموعات والمبصرات { له مقاليد السماوات والأرض } أي مفاتيح أرزاق السماوات والأرض وأسبابها فتمطر السماء بأمره وتنبت الأرض بإذنه عن مجاهد.

السابقالتالي
2 3