الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ وَٱسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ } * { ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } * { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ }

القراءة: قرأ أبو جعفر سواء بالرّفع وقرأ يعقوب سواء بالجرّ والباقون بالنّصب سواء. الحجة: من قرأ سواء بالرفع جعله خبر مبتدأ محذوف أي هي سواء ومن قرأ سواء بالجرّ جعله صفة أيّام التقدير في أربعة أيام مستويات تامّات وأما النصب فعلى المصدر على معنى استوت سواءً واستواءً. المعنى: ثم قال لنبيّه صلى الله عليه وسلم { قل } يا محمّد لهؤلاء الكفار { إنّما أنا بشر مثلكم } من ولد آدم لحم ودم وإنّما خصّني الله تعالى بنبوّته وميّزني منكم بأن أوحى إليّ ولولا الوحي ما دعوتكم وهو قوله { يوحى إليّ أنّما إلهكم إله واحد } لا شريك له في العبادة { فاستقيموا إليه } أي لا تميلوا عن سبيله وتوجّهوا إليه بالطاعة كما يقال استقم إلى منزلك أي لا تعدل عنه إلى غيره { واستغفروه } من الشرك واطلبوا المغفرة لذنوبكم من جهته. ثم أوعدهم فقال { وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة } أي لا يعطون الزكاة المفروضة وفيه دلالة على أنّ الكفار مخاطبون بالشرائع وهذا هو الظاهر. وقيل: معناه لا يطهرون أنفسهم من الشرك بقول لا إله إلا الله فإنها زكاة الأنفس عن عطاء عن ابن عباس وهذا كما يقال أعطى فلان من نفسه الطاعة أي ألزمها نفسه وقد وصف سبحانه الكفر بالنجاسة بقولهإنّما المشركون نجس } [التوبة:81] وذكر الزكاة بمعنى التطهير في قولهخيراً منه زكاةً } [الكهف:81]. وقيل: معناه لا يقرّون بالزكاة ولا يرون إيتاءها ولا يؤمنون بها عن الحسن وقتادة، وعن الكلبي: عابهم الله بها وقد كانوا يحجّون ويعتمرون. وقيل: لا ينفقون في الطاعة ولا يتصدّقون عن الضحاك ومقاتل، وكان يقول الزكاة قنطرة الإسلام. وقال الفراء: الزكاة في هذا الموضع أنّ قريشاً كانت تطعم الحاجّ وتسقيهم فحرّموا ذلك على من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم. { وهم بالآخرة هم كافرون } وهم مع ذلك يجحدون بما أخبر الله تعالى به من أحوال الآخرة. ثم عقّب سبحانه ما ذكره من وعيد الكافرين بذكر الوعد للمؤمنين فقال { إنّ الذين آمنوا } أي صدّقوا بأمر الآخرة من الثواب والعقاب { وعملوا الصالحات } أي الطاعات { لهم أجر غير ممنون } أي لهم جزاء على ذلك غير مقطوع بل هو متّصل دائم ويجوز أن يكون معناه أنه لا أذى فيه من المنّ الذي يكدر الصنيعة. ثم وبّخهم سبحانه على كفرهم فقال { قل } يا محمد لهم على وجه الإنكار عليهم { أئنَّكم لتكفرون بالذي خلق الأرض } وهذا استفهام تعجيب أي كيف تستجيزون أن تكفروا وتجحدوا نعمة من خلق الأرض { في يومين } أي في مقدار يومين { وتجعلون له أنداداً } أي أمثالاً وأشباهاً تعبدونهم وفي هذا دلالة على أنّه سبحانه إنّما يستدلّ على إثبات ذاته وصفاته بأفعاله فهي دالّة على إثبات صفاته إمّا بنفسها كما يدلّ صحّة الفعل على كونه قادراً وأحكامه على كونه عالماً وإما بواسطة كما يدلّ كونه قادراً عالماً على كونه حيّاً موجوداً سميعاً بصيراً { ذلك رب العالمين } أي ذلك الذي خلق الأرض في يومين خالق العالمين ومالك التصرف فيهم.

السابقالتالي
2