الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } * { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ } * { فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } * { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ }

القراءة: في الشواذّ قراءة الحسن وعمرو بن عبيد وإن يُستعتبوا بضمّ الياء وفتح التاء فما هم من المعتبين بكسر التاء. الحجة: قال ابن جنّي: معناه لو استعطفوا لما عطفوا لأنّه لا غناء عندهم ولا خير فيهم فيجيبوا إلى جميل. اللغة: الإنطاق جعل القادر على الكلام ينطق إما بالإلجاء إلى النطق أو الدعاء إليه والنطق إدارة اللسان في الفم بالكلام ولذلك لا يوصف سبحانه بأنّه ناطق وإن وصف بأنّه متكلّم والإرداء الإهلاك يقال أرداه فردي يردى فهو رد قال الأعشى:
أَفِي الطُّوفِ خِفْتَ عَلَيَّ الرَّدَى   وَكَــمْ مِــنْ رَدٍ أَهْلُــهُ لَـمْ يَرِمِ
والاستعجاب طلب العتبى وهي الرضا وهو الاسترضاء والإعتاب الإرضاء وأصل الإعتاب عند العرب استصلاح الجلد بإعادته في الدباغ ثمّ استعير فيما يستعطف به البعض بعضاً لإعادته إلى ما كان من الألفة وأصل التقييض التبديل ومنه المقايضة وهي مبادلة مال بمال قال الشماخ:
تَـــذَكَّرْتُ لَمّــا أَثْقَـلَ الدَّيْـنُ كاهِلي   وَعـابَ بِزَيْـــدٍ مـا أَرَدْتُ تَعـــذُّرا
رِجالاً مَضَوْا مِنّي فَلَسْتُ مُقايضاً   بِهِــم أَبَــداً مِنْ سائِرِ النَّاسِ مَعْشَرا
الإعراب: وذلكم ظنّكم ذلكم مبتدأ وظنّكم خبره وأرداكم خبر بعد خبر وإن اضمرت قد فجعلته حالاً جاز أي ذلك ظنّكم مردياً أياكم ويجوز أن يكون مبتدأ وظنّكم بدلاً منه وأرداكم خبر المبتدأ. المعنى: ثمّ حكى سبحانه عنهم بقوله { وقالوا } يعني الكفار { لجلودهم لم شهدتم علينا } أي يعاتبون أعضاءهم فيقولون لها لم شهدتم علينا { قالوا } أي فتقول جلودهم في جوابهم { أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء } أي مما ينطق والمعنى أعطانا الله آلة النطق والقدرة على النطق وتمّ الكلام ثمّ قال سبحانه { وهو خلقكم أوّل مرّة وإليه ترجعون } في الآخرة أي إلى حيث لا يملك أحد الأمر والنهي سواه تعالى وليس هذا من جواب الجلود. { وما كنتم تستترون أن يشهد } أي من أن يشهد { عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم } معناه وما كنتم تستخفون أي لم يكن يتهيّأ لكم أن تستروا أعمالكم عن هذه الأعضاء لأنّكم كنتم بها تعملون فجعلها الله شاهدة عليكم في القيامة. وقيل: معناه وما كنتم تتركون المعاصي حذراً أن تشهد عليكم جوارحكم بها لأنّكم ما كنتم تظنّون ذلك { ولكن ظننتم أنّ الله لا يعلم كثيراً مما تعملون } لجهلكم بالله تعالى فهان عليكم ارتكاب المعاصي لذاك وروي عن ابن مسعود أنها نزلت في ثلاثة نفر تسارّوا وقالوا أترى الله يسمع سِرارنا. ويجوز أن يكون المعنى أنّكم عملتم عمل من ظنّ أنّ عمله يخفى على الله كما يقال أهلكت نفسي أي عملت عمل من أهلك النفس وقيل: إنّ الكفار كانوا يقولون إنّ الله لا يعلم ما في أنفسنا ولكنّه يعلم ما يظهر عن ابن عباس.

السابقالتالي
2