الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } * { فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } * { إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ }

الإعراب: طوعاً وكرهاً مصدران وضعا موضع الحال التقدير ائتيا تطيعان إطاعة أو تكرهان كرهاً وطائعين يدلّ على ذلك وهو منصوب على الحال. سبع سماوات أيضاً منصوب على الحال بعد الفراغ من الفعل. المعنى: ثمّ ذكر سبحانه خلق السّماوات فقال { ثمّ استوى إلى السمآء وهي دخان } أي ثمّ قصد إلى خلق السماء وكانت السماء دخاناً. وقال ابن عباس: كانت بخار الأرض وأصل الاستواء الاستقامة والقصد للتدبير المستقيم تسوية له. وقيل: معناه ثم استوى أمره إلى السماء عن الحسن { فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين }. قال ابن عباس: أتت السماء بما فيها من الشمس والقمر والنجوم وأتت الأرض بما فيها من الأنهار والأشجار والثمار وليس هناك أمر بالقول على الحقيقة ولا جواب لذلك القول بل أخبر الله سبحانه عن اختراعه السماوات والأرض وإنشائه لهما من غير تعذر ولا كلفة ولا مشقة بمنزلة ما يقال للمأمور افعل فيفعل من غير تلّبث ولا توقّف فعبّر عن ذلك بالأمر والطاعة وهو كقولهإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون } [يس: 82] وإنما قال أتينا طائعين ولم يقل أتينا طائعتين لأنّ المعنى أتينا بمن فينا من العقلاء فغلب حكم العقلاء عن قطرب. وقيل: إنّه لمّا خوطبن خطاب من يعقل جمعن جمع من يعقل كما قالوكلّ في فلك يسبحون } [الأنبياء: 33] ومثله كثير في كلامهم قال:
فَأَجْهَشْــتُ لِلْبوبـــاةِ حَيْــنَ رَأَيْتُهُ   وَكَبَّــرَ للرَّحْمــنِ حيــنَ رَآنــي
فَقُلْـتُ لَــهُ أَيْـــنَ الَّــذينَ رَأَيْتُهُمْ   بَجَنْبِــكَ فـي خَفْضٍ وَطِيبِ زَمانِ
فَقالَ مَضَوْا وَاسْتَوْدَعُوني بِلادَهُمْ   وَمَـنْ ذَا الَّـذي يَبْقى عَلَى الحَدَثانِ
وقال آخر:
أَلاَ أنْعِــمْ صَباحاً أَيُّهَـا الرَّسْـــمُ وانْطِقِ   وَحدِّثْ حَديثَ الحَيِّ إِنْ شِئْتَ وَاصْدُقِ
وقد ذكرنا فيما تقدّم من أمثال ذلك ما فيه كفاية وقوله سبحانه { ثمّ استوى إلى السمآء } يفيد أنّه خلق السماء بعد الأرض وخلق الأقوات فيها وقال سبحانه في موضع آخروالأرض بعد ذلك دحاها } [النازعات: 30] وعلى هذا فتكون الفائدة فيه أنّ الأرض كانت مخلوقة غير مدحوّة فلمّا خلق الله السماء دحا بعد ذلك الأرض وبسطها وإنّما جعل الله السماء أولاً دخاناً ثمّ سماوات أطباقاً ثم زيّنها بالمصابيح ليدلّ ذلك على أنّه سبحانه قادر لنفسه لا يعجزه شيء. عالم لذاته لا يخفى عليه شيء. غنيّ لا يحتاج وكلّما سواه محتاج إليه سبحانه وتعالى: { فقضاهن } أي صنعهن وأحكمهن وفرغ من خلقهن { سبع سماوات في يومين } يوم الخميس والجمعة. قال السُّدّي: إنّما سمّي جمعة لأنّه جمع فيه خلق السماوات والأرض { وأوحى في كلّ سمآء أمرها } أي خلق فيها ما أراده من ملك وغيره عن السُدّي وقتادة. وقيل: معناه وأمر في كلّ سماء بما أراد عن مقاتل.

السابقالتالي
2