الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ } * { وَيٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ } * { يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } * { وَلَقَدْ جَآءَكُـمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُـمْ بِهِ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ } * { ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُـلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ }

القراءة: قرأ أبو عمرو وابن ذكوان وقتيبة على كل قلب بالتنوين والباقون { على كل قلب متكبر } على الإضافة وفي الشواذ قراءة ابن عباس والضحاك وأبي صالح والكلبي يوم التناد بتشديد الدال. الحجة: قال أبو علي: من نوَّن فإنه جعل المتكبّر صفة لقلب فإذا وصف القلب بالتكبّر كان صاحبه في المعنى متكبّراً فكأنه أضاف التكبّر إلى القلب كما أضيف الصعر إلى الخدّ في قوله تعالىولا تصعّر خدَّك للناس } [لقمان: 18] فكما يكون بتصعير الخد متكبراً كذلك يكون بالتكبر في القلب متكبّراً بجملة وأما من أضافه فقال { على كل قلب متكبر } فلا يخلو من أن يقدّر الكلام على ظاهره أو يقدّر فيه حذفاً فإن تركه على ظاهره كان المعنى يطبع الله على كل قلب متكبر أي يطبع على جملة القلب من المتكبر وليس المراد أن يطبع على كل قلبه فيعمّ الجميع بالطبع إنما المعنى إنه يطبع على القلب إذا كانت قلباً قلباً. والطبع علامة في جملة القلب كالختم عليه فإذا كان الحمل على الظاهر غير مستقيم علمت أن الكلام ليس على ظاهره وأنه حذف منه شيء وذلك المحذوف إذا أظهرته كذلك يطبع الله على كل قلب كل متكبر فيكون المعنى يطبع على القلوب إذا كانت قلباً قلباً من كلّ متكبّر ويختم عليه ويؤكدّ ذلك أن في حرف ابن مسعود فيما زعموا على قلب كل متكبر وإظهار كل في حرفه يدل على أنه في حرف العامة أيضاً مراد وحسن حذف كل لتقدّم ذكره كما جاز ذلك في قوله:
أَكُلَّ امْرِىءٍ تَحْسَبِينَ أَمْرَءاً   وَنـــارٍ تَوَقَّـــدَ باللَّيْلِ نارا
وفي قولهم ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة فحذف كل التقدّم ذكرها فكذلك في الآية وأما التناد بالتشديد فإنه تفاعل من ندَّ يندّ إذا نفر. اللغة: الجبّار الذي يَقتل على الغضب. يقال: أجبر فهو جبّار مثل أدرك فهو درّاك قال الفراء ولا ثالث لهما وقال ابن خالويه: وجدت لهما ثالثاً أسَارَ فهو سئّار. المعنى: ثم فسَّر سبحانه ذلك فقال { مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود } والدأب العادة ومعناه إني أخاف عليكم مثل سنة الله في قوم نوح وعاد وثمود وحالهم حين أهلكهم الله واستأصلهم جزاءً على كفرهم { والذين من بعدهم وما الله يريد ظلماً للعباد } وفي هذا أوضح دلالة على فساد قول المجبرة القائلة بأن كل ظلم يكون في العالم فهو بإرادة الله تعالى. ثم حذَّرهم عذاب الآخرة أيضاً فقال { ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد } حذف الياء للاجتزام بالكسرة الدالة عليها وهو يوم القيامة ينادي فيه بعض الظالمين بعضاً بالويل والثبور. وقيل: إنه اليوم الذي ينادي فيه أصحاب الجنة أصحاب النار { أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً } الآية وينادي أصحاب النار أصحاب الجنة { أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله } عن الحسن وقتادة وابن زيد.

السابقالتالي
2