الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً } * { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } * { فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً }

القراءة: روي في الشواذ عن إبراهيم أنه قرأ إن الذين تُوَفَّاهم الملائكة بضم التاء. الحجة: قال ابن جنى معنى هذا كقولك: إن الذين يُعَدُّون على الملائكة يُردون إليهم يُحتسبون عليهم فهو نحو من قولك إن المال الذي تُوَفاه أمة الله أي يدفع إليها ويحتسب عليها كان كل ملك جعل إليه قبض نفس بعض الناس ثم تمكن من ذلك وتوفيه. اللغة: التوفي القبض وتوفيت الشيء واستوفيته قبضته والوفاة الموت لأن الميت تقبض روحه والتوفي الإحصاء قال الشاعر:
إِنَّ بَنِي أَدْرَمَ لَيْسُـــوا مِنْ أَحَــــدِ   لَيْسُوا إِلى قَيْسٍ وَلَيْسُوا مِنْ أَسَدِ
وَلاَ تَوَفَّاهُمْ قُرَيْشٌ فِي الْعَدَدِ   
المعنى أحصاهم والمأوى المرجع من أوى إلى منزله يأوِي أُوِيّاً إذا رجع إلى منزله والاستضعاف وجدان الشيء ضعيفاً كالاستطراف ونحوه. الإعراب: توفاهم إن شئت كان لفظه ماضياً فيكون مفتوحاً لأنَّ الماضي مبني على الفتح ويجوز أن يكون مستقبلاً فيكون مرفوعاً على معنى تتوفاهم حذف التاء الثانية لاجتماع تاءين وقد ذكرناه مشروحاً فيما تقدم، { ظالمي أنفسهم } نصب على الحال وأصله ظالمين أنفسهم إلاَّ أن النون حذفت استخفافاً وهي ثابتة في التقدير كما قال سبحانه:هدياً بالغ الكعبة } [المائدة: 95] أي بالغاً الكعبة، فيمَ حذفت الألف من ما الاستفهام وهو في موضع جرّ بفي والجار مع المجرور في موضع نصب لأنه خبر كان، وخبر إنّ قولـه: { قالوا فيما كنتم } أي قالوا لهم فحذف لهم لدلالة الكلام عليه. ويقال: خبر إن قولـه: { فأولئك مأواهم جهنم } ويكون قالوا لهم في موضع نصب بكونه صفة لظالمي أنفسهم لأنه نكرة المستضعفين نصب على الاستثناء من قولـه: { مأواهم جهنم } { إلاَّ المستضعفين } لا يستطيعون حيلة في موضع نصب على الحال من المستضعفين. النزول: قال أبو حمزة الثمالي بلغنا أن المشركين يوم بدر لم يخلفوا إذ خرجوا أحداً إلاَّ صبياً أو شيخاً كبيراً أو مريضاً فخرج معهم ناس ممن تكلم بالإسلام فلما التقى المشركون ورسول الله نظر الذين كانوا قد تكلَّموا بالإسلام إلى قلة المسلمين فارتابوا وأُصيبوا فيمن أُصيب من المشركين فنزلت فيهم الآية وهو المروي عن ابن عباس والسدي وقتادة. وقيل: إنهم قيس بن الفاكه بن المغيرة والحارث بن زمعة بن الأسود وقيس بن الوليد بن المغيرة وأبو العاص بن منبه بن الحجاج وعلي بن أُمية بن خلف عن عكرمة ورواه أبو الجارود عن أبي جعفر ع قال ابن عباس: كنت أنا من المستضعفين وكنت غلاماً صغيراً وذكر عنه أيضاً أنه قال: كان أبي من المستضعفين من الرجال وأُمي كانت من المستضعفات من النساء، وكنت أنا من المستضعفين من الولدان. المعنى: ثم أخبر تعالى عن حال من قعد عن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الوفاة فقال { إنَّ الذين توفاهم } أي قبض أرواحهم أو تقبض أرواحهم { الملائكة } الملائكة ملك الموت أو هو وغيره فإنَّ الملائكة تتوفى وملك الموت يتوفى والله يتوفى وما يفعله ملك الموت أو الملائكة يجوز أن يضاف إلى الله إذ فعلوه بأمره وما تفعله الملائكة جاز أن يُضاف إلى ملك الموت إذ فعلوه بأمره { ظالمي أنفسهم } أي في حال هم فيها ظالموا أنفسهم إذ بخسوها حقَّها من الثواب وأدخلوا عليها العقاب بفعل الكفر { قالوا فيم كنتم } أي قالت لهم الملائكة فيم كنتم أي في أيّ شيء كنتم من دينكم على وجه التقرير لهم أو التوبيخ لفعلهم.

السابقالتالي
2