الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً } * { دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

القراءة: قرأ أهل المدينة والشام والكسائي وخلف غيرَ أولي الضرر بنصب الراء والباقون بالرفع. الحجة: فالرفع على أن يجعل غير صفة للقاعدين عند سيبويه وكذلك قال فيغير المغضوب عليهم } [الفاتحة: 7] أن صفة للذين أنعمت عليهم ومنه قول لُبيد:
وَإِذَا جُوزيت قَرْضــاً فاجْـــزِهِ   إنَمَّا يَجْزِي الْفَتى غَيْرُ الجمَلْ
فغير صفة للفتى فعلى هذا يكون التقدير لا يستوي القاعدون الأصحّاء والمجاهدون والنصب على الاستثناء من القاعدين ويستوي فعل يقتضي فاعلين فصاعداً فالتقدير لا يستوي القاعدون إلاَّ أولي الضرر والمجاهدون. قال الزجاج: ويجوز أن يكون منصوباً على الحال فيكون المعنى لا يستوي القاعدون في حال صحتهم، والمجاهدون كما تقول: جاءني زيد غير مريض أي صحيحاً، ويجوز في غير الجرّ على أن يكون صفة للمؤمنين في غير القراءة. اللغة: الضرر النقصان وهو كل ما يضرَّك وينقصك من عمى ومرض وعلة والدرجة المنزلة ودَرَّجْتُه إلى كذا أي رقيته إليه منزلة بعد منزلة وأدرجت الكتاب طويته منزلة بعد منزلة ودرج الرجل مضى لسبيله لأنه صار إلى منزلة الآخرة ومنه فلان أكْذَبُ مَنْ دَبَّ ودَرَج: أي أكذب الأحياء والأموات. الإعراب: درجة منصوب على أنه اسم وضع موضع المصدر أي تفضيلاً بدرجة وكُلاًّ مفعول وَعَدَ والحسنى مفعول ثانٍ ودرجات في موضع نصب بدلاً من قولـه: { أجراً عظيماً } وهو مفسر للأجر المعنى فضل الله المجاهدين درجات ومغفرة ورحمة ويجوز أن يكون منصوباً على التأكيد لأجراً عظيماً لأن الأجر العظيم هو رفع الدرجات من الله والمغفرة والرحمة كما تقول لك عليَّ ألف درهم عرفاً مؤكد لقولك لك عليّ ألف درهم لأن قولك لك عليَّ ألف درهم هو اعتراف فكأنَّك قلت: أعرفها عرفاً وكأنَّه قيل غفر الله لهم مغفرة وآجرهم أجراً عظيماً لأن قولـه: { أجراً عظيماً } فيه معنى غفر ورحم وفضل. النزول: نزلت الآية في كعب بن مالك من بني سلمة ومرارة بن ربيع من بني عمرو بن عوف وهلال بن أُمية من بني واقف تخلَّفوا عن رسول الله يوم تبوك وعذر الله أولي الضرر وهو عبد الله بن أُم مكتوم رواه أبُو حمزة الثمالي في تفسيره. وقال زيد بن ثابت: " كنت عند النبي حين نزلت عليه { لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله } ولم يذكر أُولي الضرر فقال ابن أُم مكتوم: فكيف وأنا أعمى لا أبصر فتغشى النبي الوحي ثم سري عنه فقال: " اكتب { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر } فكتبتها ". المعنى: لمَّا حثَّ سبحانه على الجهاد عَقَّبه بما فيه من الفضل والثواب فقال { لا يستوي القاعدون من المؤمنين } أي لا يعتدل المتخلّفون عن الجهاد في سبيل الله من أهل الإيمان بالله وبرسوله والمؤثرون الدعة والرفاهية على مقاساة الحرب والمشقة بلقاء العدوّ { غير أُولي الضرر } أي إلاَّ أهل الضرر منهم بذهاب أبصارهم وغير ذلك من العلل التي لا سبيل لأهلها إلى الجهاد للضرر الذي بهم { والمجاهدون في سبيل الله } ومنهاج دينه لتكون كلمة الله هي العليا والمستفرغون جهدهم ووسعهم في قتال أعداء الله وإعزاز دينه { بأموالهم } إنفاقاً لها فيما يوهن كيد الأعداء { وأنفسهم } حملاً لها على الكفاح في اللقاء.

السابقالتالي
2