الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَٰتِلُوكُمْ أَوْ يُقَٰتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَٰتَلُوكُمْ فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً }

اللغة: الحصر: الضيق وكل من ضاقت نفسه عن شيء من فعل أو كلام يقال قد حصر ومنه الحصر في القراءة والحُصْرُ اعتقال البطن، والاعتزال: أن يتنحى الرجل عن الشيء. يقال: اعتزلت البيت وتعزلته قال الأحوص:
يا بَيْــتَ عاتِكَةَ الّذِي أتَعَزَّلُ   حَذَرَ الْعِدى وَبِهِ الْفُؤادُ مُوَكَّلُ
وسميت المعتزلة معتزلة لاعتزالهم مجلس الحسن البصري بعد أن كانوا من أهله وذلك أنَّ واصل بن عطاء لما أظهر القول بالمنزلة بين المنزلتين وتابعه عمرو بن عبيد على التديُّن به ووافقهم جماعة على هذا المذهب فآل الأمر بهم إلى الاعتزال للحسن البصري وأصحابه فسمَّاهم الناس معتزلة وجرى عليهم ذلك الاسم. الإعراب: حصرت صدورهم في موضع نصب على الحال وقد مضمرة معه لأن الفعل الماضي لا يكون حالاً حتى يكون معه قَدْ إمّا مضمرة أو مظهرة فإنَّ قد تقرب الماضي من الحال فتقديره جاؤوكم قد حصرت صدورهم كما قالوا جاء فلان ذهب عقله أي قد ذهب عقله ويجوز أي يكون حصرت صدورهم منصوب الموضع بأنه صفة لموصوف هو حال على تقدير جاؤوكم قوم حصرت صدورهم فحذف الموصوف المنصوب على الحال وأقيم صفته مقامه وإنما جاز أن يكون هذا حالاً لأنه بمنزلة قولك أو جاؤوكم موصوفين بحصر الصدور أو معروفين بذلك. المعنى: لمَّا أمر تعالى المؤمنين بقتال الذين لا يهاجرون عن بلاد الشرك وإن لم يوالوهم استثنى من جملتهم فقال { إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق } معناه إلا من وصل من هؤلاء إلى قوم بينكم وبينهم موادعة وعهد فدخلوا فيهم بالحلف أو الجوار فحكمهم حكم أولئك في حقن دمائهم واختلف في هؤلاء فالمروي عن أبي جعفر ع أنه قال المراد بقولـه تعالى: { قوم بينكم وبينهم ميثاق } هو هلال بن عويمر السلمي واثق عن قومه رسول الله فقال في موادعته على أن لا تحيف يا محمد من أتانا، ولا نحيف من أتاك، فنهى الله أن يتعرض لأحد عهد إليهم وبه قال السدي وابن زيد. وقيل: هم بنو مدلج وكان سراقة بن مالك بن جَعْشَم المدلجي جاء إلى النبي بعد أحد فقال: أنشدك الله والنعمة وأخذ منه ميثاقاً أن لا يغزو قومه فإن أسلم قريش أسلموا لأنهم كانوا في عقد قريش فحكم الله فيهم ما حكم في قريش ففيهم نزل هذا ذكره عمر بن شيبة. ثم استثنى لهم حالة أخرى فقال: { أو جاءوكم حصرت صدورهم } أي ضاقت قلوبهم من { أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم } يعني من قتالكم وقتال قومهم فلا عليكم ولا عليهم وإنما عني به أشجع فإنهم قدموا المدينة في سبعمائة يقودهم مسعود بن دخبلة فأخرج إليهم النبي أحمال التمر ضيافة وقال: " نعم الشيء الهدية أمام الحاجة " وقال لهم: " ما جاء بكم " قالوا: لقرب دارنا منك وكرهنا حربك وحرب قومنا يعنون بني ضمرة الذين بينهم وبينهم عهد لقلتنا فيهم فجئنا لنوادعك فقبل النبي ذلك منهم ووادعهم فرجعوا إلى بلادهم ذكره علي بن إبراهيم في تفسيره فأمر الله تعالى المسلمين أن لا يتعرضوا لهؤلاء.

السابقالتالي
2