الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً } * { وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً }

اللغة: التدبر النظر في عواقب الأمور، والتدابر التقاطع لأن كل واحد يولي الآخر دبره بعداوته له، ودَبَّر القوم يدبرون دباراً هلكوا لأنهم يذهبون في جهة الأدبار عن الغرض والفرق بين التدبر والتفكر، أن التدبر تصرف القلب بالنظر في العواقب والتفكر تصرف القلب بالنظر في الدلائل، والاختلاف هو امتناع أحد الشيئين أن يسدّ مسدّ الآخر فيما يرجع إلى ذاته كالسواد الذي لا يسد مسد البياض وكذلك الذهاب في الجهات المختلفة وأصل الإذاعة التفريق قال تُبّع لما ورد المدينة:
وَلَقَدْ شَرِبْتُ عَلى بَراجِمِ شَرْبةً   كادَتْ بِباقِيَةِ الحياةِ تُذِيعُ
أي تُفرق وبراجم ماء بالمدينة كان يشرب منه فتشبثت بحلقِه عَلَقةٌ، وذاع الخبر ذيعاً ورجل مذياع لا يستطيع كتمان خبر وأذاع الناس بما في الحوض إذا شربوه وأذاعوا بالمتاع ذهبوا به والإذاعة والإشاعة والإفشاء والإعلان والإظهار نظائر، وضده الكتمان والأسرار والإخفاء وأصل الاستنباط الاستخراج. يقال لك: ما استخرج حتى يقع عليه رؤية العين أو معرفة القلب قد استنبط، والنبط الماء الذي يخرج من البئر أول ما تحفر وأنبط فلان أي استنبط الماء من طين حرّ ومنه اشتقاق النَبَط لاستنباطهم العيون. المعنى: { أفلا يتدبرون القرآن } أي أفلا يتفكر اليهود والمنافقون في القرآن إذ ليس فيه خلل ولا تناقض ليعلموا أنه حجة. وقيل: ليعلموا أنهم لا يقدرون على مثله فيعرفوا أنه ليس بكلام أحد من الخلق. وقيل: ليعرفوا اتساق معانيه وائتلاف أحكامه وشهادة بعضه لبعض وحسن عباراته. وقيل: ليعلموا كيف اشتمل على أنواع الحكم من أمر بِحَسَنٍ، ونهي عن قبيح وخبر عن مخبر صدق ودعاء إلى مكارم الأخلاق وحثَّ على الخير والزهد مع فصاحة اللفظ وجودة النظم وصحة المعنى فيعرفوا أنه خلاف كلام البشر، والأولى أن تحمل على الجميع لأن من تدبر فيه علم جميع ذلك { ولو كان من عند غير الله } أي كلام غير الله أي لو كان من عند النبي أو كان يعلّمه بشر كما زعموا. { لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً } قيل فيه أقوال أحدها: أن معناه لوجدوا فيه اختلاف تناقض من جهة حق وباطل عن قتادة وابن عباس والثاني: اختلافاً في الأخبار عما يسرّون عن الزجاج والثالث: من جهة بليغ ومرذول عن أبي علي والرابع: تناقضاً كثيراً عن ابن عباس، وذلك أن كلام البشر إذا طال وتضمن من المعاني ما تضمنه القرآن، لم يخل من التناقض في المعاني والإخلاف في اللفظ وكل هذه المعاني منفي عن كلام الله كما قال:لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } [فصلت: 42] وهذه الآية تضمنت الدلالة على معان كثيرة منها بطلان التقليد وصحة الاستدلال في أصول الدين لأنه دعا إلى التفكر والتدبر وحَثّ على ذلك ومنها فساد من زعم أن القرآن لا يفهم معناه إلا بتفسير الرسول من الحشوية وغيرهم لأنه حَثّ على تدبّره ليعرفوه ويتبيّنوه ومنها أنه لو كان من عند غيره لكان على وزان كلام عباده، ولوجدوا الاختلاف فيه ومنها أن المتناقض من الكلام لا يكون من فعل الله لأنه لو كان من فعله لكان من عنده لا من عند غيره والاختلاف في الكلام يكون على ثلاثة أضرب: اختلاف تناقض، واختلاف تفاوت، واختلاف تلاوة.

السابقالتالي
2 3