الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً }

القراءة: لا يظلمون بالياء مكي كوفي غير عاصم والباقون بالتاء. الحجة: من قرأ بالياءَ فَلِما تقدَّم من ذكر الغيبة من قولـه: { ألم تر إلى الذين قيل لهم } ومَن قرأ بالتاء فلأنه ضم إليهم في الخطاب المسلمين فغلب الخطاب على الغيبة. الإعراب: { إذا فريق منهم } إذا هذه ظرف مكان وهي بمنزلة الفاء في تعليقه الجملة بالشرط وتُسمّى ظرف المكان كما في قول الشاعر.
وَكُنْتُ أَرى زَيْداً كَما قِيلَ سَيّداً   إِذا أنَّـــهُ عَبْدُ القَفا واللَّهازِمِ
فهي في محل النصب بيخشون والكاف في خشية الله في محل النصب للمصدر، وأشد معطوف عليه، وخشية منصوب على التمييز، وهو مما انتصب بعد تمام الاسم للمصدر، ولولا معناه التحضيض ولا تدخل إلاّ على الفعل. النزول: قال الكلبي: نزلت في عبد الرحمن بن عوف الزهري، والمقداد بن الأسود الكندي، وقدامة بن مظعون الجمحي وسعد بن أبي وقاص كانوا يلقون من المشركين أذى شديداً وهم بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة فيشكون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون: يا رسول الله إئذن لنا في قتال هؤلاء فإنهم قد آذونا، فلما أمروا بالقتال وبالمسير إلى بدر شقّ على بعضهم فنزلت هذه الآية. المعنى: ثمّ عاد سبحانه إلى ذكر القتال ومن كرهه فقال { ألم تر إلى الذين قيل لهم } وهم بمكة { كفّوا أيديكم } أي امسكوا عن قتال الكفار فإني لم أؤمر بقتالهم { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب } أي فرض { عليهم القتال } وهم بالمدينة { إذا فريق منهم } أي جماعة منهم { يخشون الناس كخشية الله } أي يخافون القتل من الناس كما يخافون الموت من الله وقيل يخافون الناس أن يقتلوهم كما يخافون الله أن يتوفاهم. وقيل: يخافون عقوبة الناس بالقتل كما يخافون عقوبة الله { أو أشدّ خشية } قيل إنّ أو هنا بمعنى الواو أي وأشد خشية. وقيل: إنّ أو هنا لإيهام الأمر على المخاطب وقد ذكرنا الوجوه في مثل هذا عند ذكر قولـه سبحانه:أو أشد قسوة } [البقرة: 74]. { وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال } قال الحسن لم يقولوا ذلك كراهية لأمر الله، ولكن لدخول الخوف عليهم بذلك على ما يكون من طبع البشر، ويحتمل أن يكونوا قالوا ذلك استفهاماً لا إنكاراً. وقال: إنما قالوا ذلك لأنهم ركنوا إلى الدنيا وآثروا نعيمها وعلى الأقوال كلها فلو لم يقولوا ذلك لكان خيراً لهم { لولا أخرتنا } أي هلاَّ أخرتنا { إلى أجل قريب } وهو إلى أن نموت بآجالنا ثم أعلم الله تعالى أن الدنيا بما فيها من وجوه المنافع قليل فقال { قل } يا محمد لهؤلاء { متاع الدنيا } أي ما يستمتع به من منافع الدنيا { قليل } لا يبقى { والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً } أي ولا تبخسون هذا القدر فكيف ما زاد عليه، والفتيل ما تفتله بيدك من الوسخ ثم تلقيه عن ابن عباس، وقيل: ما في شق النواة لأنه كالخيط المفتول.