الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً } * { وَلَئِنْ أَصَٰبَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يٰلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً }

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير حفص ونافع وأبو عمرو وابن عامر غير هشام كأن لم يكن بالياء والباقون كأن لم تكن بالتاء، وروي في الشواذ بالياء عن الحسن ليقولُن بضم اللام، وروي عن يزيد النحوي والحسن فأفوزُ بالرفع. الحجة: من قرأ بالياء فلأَن التأنيث غير حقيقي، وحسن التذكير للفصل الواقع بين الفاعل والفعل، ومثل التذكير، وأخذ الذين ظلموا الصيحة فمن جاءه موعظة من ربه، وفي موضع آخر قد جاءتكم موعظة من ربكم فكلا الأَمرين قد جاء التنزيل به ومن قرأ ليقولُنّ بالضم فإنه أعاد الضمير إلى معنى مَنْ مثل قولـه،ومنهم من يستمعون إليك } [يونس: 42] فإن قولـه: { لمن ليبطئن } لا يعني به رجل واحد، وإنما معناه أن هناك جماعة هذه صفتهم، وأما من قرأ فأفوزُ فإنه على أن يتمنى الفوز فكأنه قال: يا ليتني أفوز ولو جعله جواباً لنصبه أي إن أكن معهم أفز. اللغة: التبطئة التأخر عن الأَمر يقال: ما بَطَّأ بك عنا أي ما أخَرَّك عنا ومثله الإِبطاء وهو إطالة مدة العمل لقلة الانبعاث وضده الإِسراع وهو قصر مدة العمل للتدبير فيه، ويقال: بطأُ في مشيه يبطأَ بطأً إذ أثقل. الإِعراب: اللام الأُولى التي في قولـه: { لَمَنْ } لام إنَّ التي هي لام الابتداء بدلالة دخولها على الاسم، والثانية التي في ليبطئن لام القسم بدلالة دخولها على الفعل مع النون التأكيد، ومَنْ موصولة بالجالب للقسم وتقديره وإن منكم لمن حلف بالله ليبطئن وإنما جاز صلة مَنْ بالقسم ولم يجز بالأَمر والنهي، لأَن القسم خبر يوضح الموصول كما يوضح الموصوف في قولك: مررت برجل لَتُكْرِمَنَّهُ لأَنك خصصته بوقوع الإِكرام به في المستقبل من كل رجل غيره، وليس كذلك في قولك: مررت برجل اضْرِبْهُ لأَنه لا يتخصص بالضرب في كما يتخصص بالخبر " كَأَنْ " خففت النون لأَنك أردت كأنه فحذفت الهاء وصارت " لَمْ " عوضاً مما حذفت منه قولـه، وكأن لم يكن بينكم وبينه مودة جملة اعترضت بين المفعول وفعله فإن قولـه { يا ليتني كنت معهم } في موضع نصب بكونه مفعول يقولن كما أن قولـه قد أنعم الله عليَّ إذ لم أكن معهم شهيداً في موضع نصب بكونه مفعول قال: وقولـه: { فأفوز } منصوب على جواب التمني بالفاء وانتصابه بإضمار أنْ فيكون عطف اسم على اسم وتقديره: يا ليتني كان لي حضور معهم ففوز ولو كان العطف على ظاهره لكان يا ليتني معهم ففزت. النزول: قيل: إنها نزلت في المؤمنين لأَنه خاطبهم بقولـه: { وإن منكم } وقد فرَّق بين المؤمنين والمنافقين بقولـه: { ما هم منكم ولا منهم } وقال أكثر المفسرين: نزلت في المنافقين وإنما جمع بينهم في الخطاب من جهة الجنس والنسب لا من جهة الإِيمان وهو اختيار الجبائي.

السابقالتالي
2