الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }

المعنى: لمَّا بدأ في الآية المتقدمة بحثِّ الولاة على تأدية حقوق الرعية، والنصفة، والتسوية بين البرية ثناه في هذه الآية بحث الرعية على طاعتهم، والاقتداء بهم، والردِّ إليهم فقال: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله } أي ألزموا طاعة الله سبحانه فيما أمركم به ونهاكم عنه { وأطيعوا الرسول } أي والزموا طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم أيضاً وإنما أفرد الأمر بطاعة الرسول وإن كانت طاعته مقترنة بطاعة الله مبالغة في البيان وقطعاً لتوهم من توهَّم أنه لا يجب لزوم ما ليس في القرآن من الأوامر ونظيره قولـه:من يطع الرسول فقد أطاع الله } [النساء: 80]وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } [الحشر: 7] وما ينطق عن الهوى } [النجم: 3] وقيل: معناه أطيعوا الله في الفرائض وأطيعوا الرسول في السنن عن الكلبي والأول أصحّ لأن طاعة الرسول هي طاعة الله وامتثال أوامره امتثال أوامر الله. وأما المعرفة بأنه رسول الله فهي معرفة برسالته ولا يتمَّ ذلك إلاَّ بعد معرفة الله، وليست إحداهما هي الأُخرى وطاعة الرسول واجبة في حياته وبعد وفاته، لأن اتّباع شريعته لازم بعد وفاته لجميع المكلفين، ومعلوم ضرورة أنه دعا إليها جميع العالمين إلى يوم القيامة كما علم أنه رسول الله إليهم أجمعين. وقولـه: { وأُولي الأمر منكم } للمفسّرين فيه قولان أحدهما: أنهم الأُمراء عن أبي هريرة وابن عباس في إحدى الروايتين وميمون بن مهران والسُدّي واختاره الجبائي والبلخي والطبري والآخر: أنهم العلماء عن جابر بن عبد الله وابن عباس في الرواية الأُخرى ومجاهد والحسن وعطاء وجماعة. وقال بعضهم: لأنهم الذين يرجع إليهم في الأحكام ويجب الرجوع إليهم عند التنازع دون الولاة، وأما أصحابنا فإنهم رووا عن الباقر والصادق ع أن أُولي الأمر هم الأئمة من آل محمد أوجب الله طاعتهم بالإطلاق كما أوجب طاعته وطاعة رسوله، ولا يجوز أن يوجب الله طاعة أحد على الإطلاق إلاَّ من ثبتت عصمته وعلم أن باطنه كظاهره وأمن منه الغلط والأمر بالقبيح، وليس ذلك بحاصل في الأُمراء ولا العلماء سواهم جَلَّ الله عن أن يأمر بطاعة من يعصيه أو بالانقياد للمختلفين في القول والفعل لأنه محال أن يطاع المختلفون كما أنه محال أن يجتمع ما اختلفوا فيه، ومما يدلّ على ذلك أيضاً أن الله تعالى لم يقرن طاعة أُولي الأمر بطاعة رسوله كما قرن طاعة رسوله بطاعته إلاَّ وأولو الأمر فوق الخلق جميعاً كما أن الرسول فوق أُولي الأمر، وفوق سائر الخلق، وهذه صفة أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وسلم الذين ثبتت إمامتهم وعصمتهم واتفقت الأُمة على علوِّ رتبتهم وعدالتهم. { فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول } معناه فإن اختلفتم في شيء من أُمور دينكم فردّوا التنازع فيه إلى كتاب الله وسنة الرسول، وهذا قول مجاهد وقتادة والسدي.

السابقالتالي
2