الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } * { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً }

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير عاصم تَسْوي مفتوحة التاء خفيفة السين وقرأ يزيد ونافع وابن عامر بفتح التاء وتشديد السين، وقرأ الباقون تُسْوي بضم التاء وتخفيف السين. الحجة: قال أبو علي قراءة نافع وابن عامر لو تَسوَّى معناه لو تتسوى فادغم التاء في السين لقربها منها، وفي قراءة حمزة والكسائي حذف التاء فالتاء اعتلت بالحذف كما اعتلت بالإدغام وأما تُسَوّى فهي تُفَعَّلُ من التسوية. الإعراب: كيف لفظها الاستفهام، ومعناه التوبيخ وتقديره كيف حال هؤلاء يوم القيامة وحذف لدلالة الكلام عليه، والعامل في كيف المبتدأ المحذوف فهو في موضع الرفع بأنه خبر المبتدأ ولا يجوز أن يكون العامل في كيف جئنا لأنه في موضع جرّ بإضافة إذا إليه والمضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف كما لا تعمل الصلة فيما قبل الموصول لأنه من تمام الاسم ومن كل أمة في موضع نصب على الحال لأنه صفة شهيد فلما تقدمه انتصب على الحال والعامل في إذا جوابه المحذوف لدلالة ما تقدَّمه عليه وشهيداً منصوب على الحال والعامل في يومئذٍ يودّ بعد إذ ولم يجز ذلك في إذا جئنا لأنه لما أضيف يوم إلى إذ بطلت اضافته إلى الجملة ونوّن إذ ليدلّ على تمام الاسم. المعنى: لَمَّا ذكر اليوم الآخر وصف حال المنكرين له فقال { فكيف } أي فكيف حال الأمم وكيف يصنعون { إذا جئنا من كل أُمة } من الأمم { بشهيد وجئنا بك } يا محمد { على هؤلاء } يعني قومه { شهيداً } وهذا كما تقول العرب للرجل في الأمر الهائل يتوقعه كيف بك إذا كان كذا يريد بذلك تعظيم الأمر، وتهويله، وتحذيره، وتحذير الرجل عنه، وانذاره به وحَثَّه على الاستعداد له ومعنى الآية إن الله يستشهد يوم القيامة كل نبي على أُمته فيشهد لهم وعليهم ويستشهد نبيّنا على أُمته وفي الآية مبالغة في الحَثِّ على الطاعة، واجتناب المعصية، والزجر عن كل ما يُسْتَحى منه على رؤوس الأشهاد لأنه يشهد للإنسان وعليه يوم القيامة شهود عدول لا يتوقف في الحكم بشهادتهم، ولا يتوقع القدح فيهم، وهم الأنبياء والمعصومون، والكرام الكاتبون، والجوارح، والمكان والزمان، كما قال تعالىوكذلك جعلناكم أُمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس } [البقرة: 143] وقال:ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } [ق: 18] وقال:إن السمع والبصر والفؤاد كل أُولئك كان عنه مسؤولاً } [الإسراء: 36]ويوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون } [النور: 24] وفي بعض الأخبار المكان والزمان يشهدان على الرجل بأعماله، فليتذكر العاقل هذه الشهادة ليستعدّ بهذه الحالة، فكأن قد وقعت، وكأن الشهادة قد أُقيمت وروي أن عبد الله بن مسعود قرأ هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم ففاضت عيناه فإذا كان الشاهد تفيض عيناه لهول هذه المقالة وعظم هذه الحالة فماذا لعمري ينبغي أن يصنع المشهود عليه.

السابقالتالي
2