الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً }

القراءة: قرأ أهل الكوفة عقدت بغير ألف والباقون عاقدت بألف. الحجة: قال أبو علي: الذكر الذي يعود من الصلة إلى الموصول ينبغي أن يكون ضميراً منصوباً، فالتقدير والذين عَاقَدَتْهم أيمانكم فجعل الأيمان في اللفظ هي المعاقدة، والمعنى على الحالفين الذين هم أصحاب الإيمان، والمعنى والذين عاقدت حلفهم أيمانكم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فعاقدت أشبه بهذا المعنى لأن لكل نفر من المعاقدين يميناً على المحالفة ومن قال عقدت أيمانكم، كان المعنى عقدت حلفهم أيمانكم فحذف الحلف وأقام المضاف إليه مقامه، والذين قالوا عاقدت حملوا الكلام على لفظ الإيمان لأن الفعل لم يسند إلى أصحاب الأيمان في اللفظ إنما أسند إلى الأيمان. اللغة: أصل المولى من ولي الشيء يليه ولاية وهو اتصال الشيء بالشيء من غير فاصل والمولى يقع على وجوه المعتق والمعتق وابن العم والورثة والحليف والولي والسيد المطاع والأولى بالشيء، والأحق وهو الأصل في الجميع فسمي المُعْتِق مولى، لأنه أولى بميراث المُعتق والمُعتق أولى بنَصرة المُعتِق من غيره، وابن العم أولى بنصرة ابن عمه لقرابته، والورثة أولى بميراث الميت من غيرهم، والحليف أولى بأمر محالفه للمحالفة التي جرت بينهما، والولي أولى بنصرة من يواليه، والسيد أولى بتدبير من يسوده من غيره، ومنه الخبر " أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها " أي مَنْ هو أولى بالعقد عليها. وقال أبو عبيدة في قولـه تعالىالنار مولاكم } [الحديد: 15] معناه: أي هي أولى بكم وأنشد بيت لبيد:
فَغَدَتْ، كِلاَ الفَرْجَيْنِ تَحْسَبُ أَنَّهُ   مَوْلَى المَخافَةِ خَلْفُها وَأَمامُها
والأيمان: جمع اليمين وهو اسم يقع على القسم والجارحة والقوة والأصل فيه الجارحة وذلك أنهم كانوا يضربون الصفقة للبيع والبيعة بأيمانهم، فيأخذ بعضهم بيد بعض على الوفاء، والتمسك بالعهد ثم يتحالفون عليه فسمي القسم يميناً وقال:
إذا ما رايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ   تَلَقَّاها عرابَةُ بِاليَمينِ
أي بالقوة. الإعراب: قولـه مما ترك الوالدان الجار والمجرور وقع موقع الصفة لقولـه موالي أي موالي كائنين مما ترك أي خلف الوالدان والأقربون والذين عقدت إيمانكم معطوف على قولـه الوالدان والأقربون، فيكون مرفوع الموضع، ويحتمل أن يكون مما ترك الوالدان والأقربون متعلقاً بفعل محذوف وتقديره موالي يعطون مما ترك الوالدان والأقربون، ويكون والذين عقدت إيمانكم مبتدأ، وقولـه فآتوهم نصيبهم خبره. المعنى: ثم عاد سبحانه إلى ذكر المواريث فقال { ولكل } واحد من الرجال والنساء { جعلنا موالي } أي ورثة هم أولى بميراثه عن السدي. وقيل: عصبة عن ابن عباس والحسن والأول أصح لقولـه سبحانه:فهب لي من لدنك ولياً يرثني } [مريم: 6] فجعله مولى لما يرث وولياً له لما كان أولى به من غيره، ومالكاً له كما يقال: المالك العبد مولاه { مما ترك الوالدان } أي يرثون أو يعطون مما ترك الوالدان { والأقربون } الموروثون { والذين عقدت أيمانكم } أي ويرثون مما ترك الذين عقدت أيمانكم لأن لهم ورثة أولى بميراثهم، فيكون قولـه: والذين عقدت أيمانكم عطفاً على قولـه الوالدان والأقربون.

السابقالتالي
2