الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً }

القراءة: قرأ أبو جعفر ونافع مَدْخلاً كريماً مفتوحة الميم وقرأ الباقون مُدخلاً بالضم. الحجة: قال أبو علي مَنْ قرأ مَدْخلاً يحتمل أن يكون مصدراً وأن يكون مكاناً فإن حملته على المصدر أضمرت له فعلاً دلَّ عليه الفعل المذكور وتقديره ندخلكم مدخلاً وإن حملته على المكان فتقديره ندخلكم مكاناً كريماً وهذا أشبه هنا لأن المكان قد وصف بالكريم في قولـه تعالىومقام كريم } [الشعراء: 58] ومن قرأ مُدْخَلاً فيجوز فيه أيضاً أن يكون مكاناً وأن يكون مصدراً. اللغة: الاجتناب: المباعدة عن الشيء وتركه جانباً ومنه الأجنبي. ويقال ما يأتينا فلان إلا عن جناية أي بعد قال علقمة بن عبدة:
فَلا تَحْرِمَنّي نائِلاً عَنْ جِنابَةٍ   وَإنّي امَْرؤٌ وَسْطَ القِبابِ غَرِيبُ
وقال الأعشى:
أَتَيْتُ حُرَيْثاً زائِراً عَنْ جِنابَةٍ   فَكانَ حُرَيْثٌ عَنْ عَطائِيَ جامِدا
والتكفير: أصله الستر. المعنى: لمَّا قدَّم ذكر السيئات عَقَّبه بالترغيب في اجتنابها فقال { إن تجتنبوا } أي تتركوا جانباً { كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } اختلف في معنى الكبيرة فقيل: كلّ ما أوعد الله تعالى عليه في الآخرة عقاباً، وأوجب عليه في الدنيا حدّاً فهو كبيرة، وهو المروي عن سعيد بن جبير، ومجاهد. وقيل: كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة عن ابن عباس، وإلى هذا ذهب أصحابنا فإنهم قالوا: المعاصي كلها كبيرة من حيث كانت قبائح لكن بعضها أكبر من بعض، وليس في الذنوب صغيرة وإنما يكون صغيراً بالإضافة إلى ما هو أكبر منه ويستحق العقاب عليه أكثر والقولان متقاربان. وقالت المعتزلة: الصغيرة ما نقص عقابه عن ثواب صاحبه، ثم إن العقاب اللازم عليه ينحبط بالاتفاق بينهم وهل ينحبط مثله من ثواب صاحبه. فعند أبي هاشم ومن يقول بالموازنة ينحبط. وعند أبي علي الجبائي لا ينحبط، بل يسقط الأقل، ويبقى الأكثر بحاله، والكبيرة عندهم ما يكبر عقابه عن ثواب صاحبه. قالوا: ولا يعرف شيء من الصغائر ولا معصية إلاّ ويجوز أن يكون كبيرة، فإن في تعريف الصغائر إغراء بالمعصية، لأنه إذا علم المكلف أنّه لا ضرر عليه في فعلها ودعته الشهوة إليها فعلها وقالوا عند اجتناب الكبائر يجب غفران الصغائر ولا يحسن معه المؤاخذة بها، وليس في ظاهر الآية ما يدلّ عليه فإن معناه على ما رواه الكلبي عن ابن عباس إن تجتنبوا الذنوب التي أوجب الله فيها الحد، وسمّى فيها النار نكفر عنكم ما سوى ذلك من الصلاة إلى الصلاة ومن الجمعة إلى الجمعة ومن شهر رمضان إلى شهر رمضان. وقيل: معنى ذلك إن تجتنبوا كبائر ما نهيتم عنه في هذه السورة من المناكح وأكل الأموال بالباطل وغيره من المحرمات من أول السورة إلى هذا الموضع وتركتموه في المستقبل كفرنا عنكم ما كان منكم من ارتكابها فيما سلف.

السابقالتالي
2 3