الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير حفص فإذا أَحصن مفتوحة الهمزة والباقون أُحصِن بضم الهمزة وكسر الصاد. اللغة: الطول الغناء وهو مأخوذ من الطول خلاف القصر شبَّه الغني به لأنه ينال به معالي الأمور، والتطول الإفضال بالمال، والتطاول على الناس التفضل عليهم، وكذلك الاستطالة وطال فلان فلاناً كذا إذا فضَّله في القدرة يقال طاولته فطلته ولم يحل منه فلان بطائل أي بشيء له من أي فضل، وطالت طولك وطِيَلُك أي طالت مدتك قال الشاعر:
إِنَّا مُحَيُّوكَ فَاسْلَمْ أَيُّهَا الطَّلَلُ   وَإِنْ بَلَيتَ وَإِنْ طَالَتْ بِكَ الطَّيَلُ
والطِوَل الحبل قال طرفة:
لَعَمْرُكَ إنَّ المَوتَ ما أَخْطَأَ الفتى   لَكَالطِّوَلِ المُرخى وَثِنْياهُ بِاليَدِ
والفتى الشاب والفتاة الشابة والفتاة الأمة وإن كانت عجوزاً إلا أنها كالصغيرة في أنها لا توقر توقير الحرّة والفتوة حالة الحداثة ومنه الفتيا تقول: أفتى الفقيه يُفتي لأنه في مسألة حادثة، والخِدْن الصديق وجمعه أخدان نحو تِرْب وأَتْراب ويستوي فيه المذكر والمؤنث، والواحد والجمع، والخدين بمعناه، والعنت الجهد والشدة، وأكمة عنوت صعبة المرتقى، قال المبرد: العنت: الهلاك. المعنى: ثم بيَّن تعالى نكاح الإماء فقال { ومن لم يستطع منكم طولاً } أي لم يجد منكم غنى عن ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة والسدي وهو المروي عن أبي جعفر ع { أن ينكح } أي يتزوج { المحصنات المؤمنات } أي الحرائر المؤمنات يعني: لم يقدر على شيء مما يصلح لنكاح الحرائر من المهر والنفقة { فمن ما ملكت أيمانكم } أي فلينكح مما ملكت أيمانكم { من فتياتكم المؤمنات } أي إمائكم فإن مهور الإماء أقل ومؤنتهن أخفّ في العادة والمراد به إماء الغير لأنه لا يجوز أن يتزوج الرجل بأمة نفسه بالإجماع. وقيل: إن المعنى من هَوى الأمة فله أن يتزوجها وإن كان ذا يسار عن جابر، وعطاء، وإبراهيم، وربيعة. والقول الأول هو الصحيح وعليه أكثر الفقهاء، وفي الآية دلالة على أنه لا يجوز نكاح الأمة الكتابية لأنه قيَّد جواز العقد عليهن بالإيمان بقولـه: { من فتياتكم المؤمنات } وهذا مذهب مالك والشافعي { والله أعلم بإيمانكم } أراد بهذا بيان أنه لم يؤخذ علينا إلا بأن نأخذ بالظاهر في هذا الحكم إذ لا سبيل لنا إلى الوقوف على حقيقة الإيمان واللهُ هو المنفرد بعلم ذلك ولا يطلع عليه غيره فإنه العالم بالسرائر، المطلع على الضمائر. { بعضكم من بعض } قيل فيه قولان أحدهما: أن المراد به كلكم ولد آدم فلا تستنكفوا من نكاح الإماء فإنهنّ من جنسكم كالحرائر والآخر: إن معناه كلّكم على الإيمان ودينكم واحد فلا ينبغي أن يُعَيَّر بعضكم بعضاً بالهُجنة، نهى الله عن عادة أهل الجاهلية في الطعن، والتعيير بالإماء { فانكحوهن } يعني الفتيات المؤمنات أي تزوجوهن { بإذن أهلهن } أي بأمر سادتهن ومواليهن وفي هذا دلالة على أنه لا يجوز نكاح الأمة بغير إذن مالكها { وآتوهنّ أجورهن } أي أَعطوا مالكهن مهورهن { بالمعروف } أي بما لا ينكر في الشرع وهو ما تراضى عليه الأهلون ووقع عليه العقد.

السابقالتالي
2