الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَٰضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

القراءة: قرأ الكسائي وحده والمحصنات و محصنات في سائر القرآن بكسر الصاد إلا قولـه: { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } فإنه فتح الصاد فيه، وقرأ الباقون بفتح الصاد في كل القرآن وقرأ أهل الكوفة إلاّ أبا بكر وأبا جعفر وأحلّ لكم بالضم وكسر الحاء، وقرأ الباقون: بفتح الهمزة والحاء. الحجة: وقع الاتفاق على فتح العين من قولـه: { والمحصنات } في هذه الآية ومعناها النساء اللاتي أحصنَّ بالأزواج والإحصان يقع على الحرة يدل عليه قولـه:الذين يرمون المحصنات } [النور: 4] يعني الحرائر لأن من قذف غير حرة لم يجلد ثمانين، ويقع أيضاً على العِفّة يدل عليه قولـه:ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها } [التحريم: 12] وقد فسّر قولـه:ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات } [النساء: 25] ويقع على التزويج كما في الآية ويقع على الإسلام كما فسّر من قرأ فإذا أحصن بفتح الهمزة بأسلمن، وأصل الجميع المنع لأن الحرية تمنع عن امتهان الرق، والعفة حظر النفس عما حظره الشرع والتزوج في المرأة يحظر خطبتها التي كانت مباحة قبل، ويمنع تصديها للتزويج، والإسلام يحظر الدم والمال اللذين كانا مباحين قبل الإسلام، ومن قرأ { وأحل لكم ما وراء ذلكم } قال بناء الفعل للفاعل أشبه بما قبله لأن معنى كتاب الله عليكم كتب الله عليكم كتاباً والله أحل لكم ومن قرأ وأحل لكم قال إنه في المعنى إلى الأول وفيه مراعاة ما قبله وهو قولـه: { حرمت عليكم } اللغة: قال الأزهري: يقال للرجل إذا تزوج أحصن فهو مُحْصِن كقولـهم ألفَج فهو مُلْفَج، وأسهب فهو مسهَب إذا أكثر الكلام، وكلام العرب كله على أفعل فهو مفعِل. وقال سيبويه: حصنت المرأة حصناً فهي حصان مثل جبن جبناً فهو جبان. وقد قالوا: حصناء كما قالوا علماء. والحصان: الفحل من الأفراس. وأحصن الرجل امرأته وأحصنت المرأة فرجها من الفجور والمسافحة والسفاح الزنى أصله من السفح وهو صب الماء لأنه يصب الماء باطلاً وسفح الجبل أسفله لأنه يصب الماء منه. وقال الزجاج: المسافحة والسفاح الزانيان لا يمتنعان من أحد فإذا كانت تزني بواحد فهي ذات خِدْن. الإعراب: كتاب الله نصب على المصدر من فعل محذوف وأصله كتب الله كتاباً عليكم ثم أضمر الفعل لدلالة ما تقدم من الكلام عليه وهو قولـه: { حرمت عليكم } فإنه يدل على أن ما هو مذكور مكتوب عليهم فبقي كتاب الله عليكم ثم أضيف المصدر إلى الفاعل كما أضيف إلى المفعول في قولـهم ضرب زيد ومثل ذلك قولـه صنع الله الذي وعلى ذلك قول الشاعر:
مَا إنْ يَمَسُّ الأَرْضَ إلاّ جَانِبٌ   مِنْهُ وَحَرْفُ السّاقِ طَيّ المِحْمَل
لأنَّ ما في البيت يدلّ على أنه طيّان فكان تقديره طوى طي المِحمَل.

السابقالتالي
2 3 4