الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً }

القراءة: قرأ حمزة والكسائي كُرْهاً بضمّ الكاف هنا، وفي التوبة والأَحقاف ووافقهما عاصم وابن عامر ويعقوب في الأَحقاف، وقرأ الباقون بفتح الكاف في جميع ذلك. وقرأ بفاحشة مبيَّنة بفتح الياء ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم، والباقون بكسر الياء. وروي في الشواذ عن ابن عباس مبينة بكسر الياء خفيفة. الحجة: الكرَه والكرُه لغتان مثل الضَعف والضُعف والفَقر والفُقر والدَفّ والدُفّ وقال سيبويه: بيّن الشيء وبينته، وأبان الشيء وأبنته، واستبان الشيء واستبنته، وتبين وتبينته، ومن أبيات الكتاب:
سَلِّ الْهُمُومَ بِكُلِّ مُعْطي رَأسِهِ   تاجٍ مُخــالِطِ صُهْبَـــةٍ مُتَعَيِّـــسِ
مُغْتَالِ أَحْـــبُلِهِ مُبَيِّـــن عُنْقِـــهِ   في مِنكَبٍ زَيْنِ المَطِيّ عَرَنْدَسِ
وفي نوادر أبي زيد:
يُبَيِّنُهُمْ ذُو اللُّبِ حِيْنَ يَراهُمُ   بِسِيماهُمُ بيضاً لِحاهُمْ وَأَصْلَعَا
ومن كلامهم: قد بيَّن الصبح لذي عينين. اللغة: العضل: التضييق بالمنع من التزويج وأصله الامتناع يقال: عضلت الدجاجة ببيضتها إذا عسرت عليها، وعضل الفضاء بالجيش الكثير: إذا لم يمكن سلوكه لضيقه، ومنه الداء العضال الذي لا يبرأ، والفاحشة مصدر كالعاقبة، والعافية. قال أبو عبيدة: الفاحشة: الشنار والفحش: القبيح، والمعاشرة: المصاحبة، وهو من العشرة. الإِعراب: أن ترثوا النساء في موضع رفع بأنه فاعل يحلّ وكرهاً مصدر، وضع موضع الحال من النساء، والعامل في الحال ترثوا، ولا تعضلوهنّ يجوز أن يكون أيضاً نصباً بكونه معطوفاً على ترثوا، وتقديره لا يحل لكم أن ترثوا، ولا أن تعضلوا، ويجوز أن يكون مجزوماً على النهي. النزول: قيل: إن أبا قيس بن الأَسلت لما مات عن زوجته كبيشة بنت معن ألقى ابنه محصن بن أبي قيس ثوبه عليها فورث نكاحها، ثم تركها، ولم يقربها، ولم ينفق عليها فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبيّ الله لا أنا ورثت زوجي، ولا أنا تُركت فأنكح، فنزلت الآية عن مقاتل وهو المرويّ عن أبي جعفر ع. وقيل: كان أهل الجاهلية إذا مات الرجل جاء ابنه من غيرها أو وليّه فورث امرأته كما يرث ماله وألقى عليها ثوباً فإن شاء تزوَّجها بالصداق الأَول وإن شاء زوّجها غيره وأخذ صداقها فنهوا عن ذلك عن الحسن ومجاهد وروى ذلك أبو الجارود عن أبي جعفر ع وقيل: نزلت في الرجل تكون تحته امرأة يكره صحبتها ولها عليه مهر فيطول عليها، ويضارّها لتفتدي بالمهر، فنهوا عن ذلك عن ابن عباس. وقيل: نزلت في الرجل يحبس المرأة عنده لا حاجة له إليها، وينتظر موتها حتى يرثها، عن الزهري وروي ذلك عن أبي جعفر ع أيضاً. المعنى: لمّا نهى الله فيما تقدم عن عادات أهل الجاهلية في أمر اليتامى والأَموال عقَّبه بالنهي عن الاستنان بسنتهم في النساء فقال { يا أيها الذين آمنوا } أي يا أيها المؤمنون { لا يحل لكم } أي لا يسعكم في دينكم { أن ترثوا النساء } أي نكاح النساء { كرهاً } أي على كره منهنّ، وقيل ليس لكم أن تحبسوهنّ على كُره منهن طمعاً في ميراثهنّ.

السابقالتالي
2 3