الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }

اللغة: أصل التوبة الرجوع وحقيقتها الندم على القبيح مع العزم على أن لا يعود إلى مثله في القبح. وقيل: يكفي فيحدّها الندم على القبيح، والعزم على أن لا يعود إلى مثله. أعتدنا قيل: إن أصله أعددنا فالتاء بدل من الدال. وقيل: هو أفعلنا من العتاد وهو العُدّة، قال عدي بن الرقاع:
تَأتِيهِ أسْلاَبُ الأَعِزَّةِ عَنْــــوةً   قَسْراً ويَجْمَعُ لِلْحُروبِ عتادَها
يقال للفرس المعدّ للحرب عَتَد وعَتِد. الإِعراب: موضع الذين يموتون جرّ بكونه عطفاً على قولـه للذين يعملون السوء وتقديره ولا للذين يموتون. المعنى: لَمَّا وصف تعالى نفسه بالتواب الرحيم بيَّن عقيبه شرائط التوبة فقال { إنما التوبة } ولفظة إنما يتضمن النفي والإِثبات فمعناه لا توبة مقبولة { على الله } أي عند الله إلاّ { للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب } واختلف في معنى قولـه بجهالة على وجوه أحدها: إن كل معصية يفعلها العبد جهالة، وإن كان على سبيل العمد لأَنه يدعو إليها الجهل ويُزيّنها للعبد عن ابن عباس وعطاء ومجاهد وقتادة، وهو المروي عن أبي عبد الله ع فإنه قال: كل ذنب عمله العبد وإن كان عالماً فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربه، فقد حكى الله تعالى قول يوسف لإخوته:هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون } [يوسف: 89] فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية الله وثانيها: أن معنى قولـه بجهالة أنهم لا يعلمون كنه ما فيه من العقوبة كما يعلم الشيء ضرورة عن الفراء وثالثها: إن معناه أنهم يجهلون أنها ذنوب ومعاص فيفعلونها إمّا بتأويل يخطئون فيه وإمّا بأن يفرطوا في الاستدلال على قبحها عن الجبائي، وضعَّف الرماني هذا القول لأَنه بخلاف ما أجمع عليه المفسرون ولأَنه يوجب أن لا يكون لمن علم أنها ذنوب توبة لأَن قولـه: إنما التوبة تفيد أنها لهؤلاء دون غيرهم وقال أبو العالية، وقتادة: أجمعت الصحابة على أن كل ذنب أصابه العبد فهو جهالة. وقال الزجاج: إنما قال الجهالة لأَنهم في اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية جُهّالٌ فهو جهل في الاختيار. ومعنى: { يتوبون من قريب } أي يتوبون قبل الموت لأَن ما بين الإِنسان وبين الموت قريب فالتوبة مقبولة قبل اليقين بالموت. وقال الحسن والضحاك وابن عمر: القريب ما لم يعاين الموت وقال السدي: هو ما دام في الصحة قبل المرض والموت. وروي عن أمير المؤمنين ع أنه قيل له فإن عاد وتاب مراراً، قال: يغفر الله له. قيل: إلى متى؟ قال: حتى يكون الشيطان هو المسحور. " وفي كتاب من لا يحضره الفقيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر خطبة خطبها: " من تاب قبل موته بسنة تاب الله عليه " ثم قال: " وإن السنة لكثيرة من تاب قبل موته بشهر تاب الله عليه " ثم قال: " وإن الشهر لكثير من تاب قبل موته بيوم تاب الله عليه " ثم قال: " وإن اليوم لكثير من تاب قبل موته بساعة تاب الله عليه " ثم قال: " وإن الساعة لكثيرة من تاب قبل موته وقد بلغت نفسه هذه وأهوى بيده إلى حَلقِه تاب الله عليه " ".

السابقالتالي
2 3