الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ ٱللَّهِ وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } * { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } * { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }

اللغة: البهتان الكذب الذي يتحيّر فيه من شدته وعظمته. وقد مرّ معنى المسيح في سورة آل عمران يقال: قتلت الشيء خبراً وعلماً أي: علمته علماً تاماً وذلك لأن القتل هو التذليل ويكون كالدرس أنه من التذليل. ومنه الرسم الدارس لذلته. فقولك: درست العلم بمعنى ذللته. ويقال: في المثل قتل أرضاً عالمها وقَتلتْ أرضٌ جاهلَها. قال الأصمعي: معناه ضبط الأمر من يعلمه. وأقول: معناه أن العالم يغلب أهل أرضه والجاهل مغلوب مقهور كما أن الجاهل بالطريق لا يهتدي فيتردد فيه. الإعراب: ما في قولـه: { فبما نقضهم } لغو اي فبنقضهم ومعناه التوكيد أي فبنقضهم ميثاقهم حقاً والجالب للباء في فبنقضهم والعامل فيه. قيل إنه محذوف أي لعنَّاهم. وقيل: العامل فيه قولـه: { حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم } وقولـه: { فبظلم من الذين } بدل من قولـه { فبنقضهم } عن الزجاج وعلى هذا فقولـه: { بل طبع الله عليها بكفرهم } إلى آخر الآية اعتراض وكذلك قولـه: { وما قتلوه وما صلبوه } إلى قولـه: { شهيداً } وقولـه: { عيسى ابن مريم } عطف بيان ركّب مع ابن وجعل كاسم واحد لوقوع ابن بين علمين مع كونه صفة والصفة ربما رُكّبت مع الموصوف فجعلا كاسم واحد نحو لا رجل ظريف في الدار ورسول الله صفة للمسيح أو بدل منه واتباع الظن منصوب على الاستثناء وهو استثناء منقطع وليس من الأول فالمعنى ما لهم به من علم لكنهم يتبعون الظن. المعنى: ثم ذكر سبحانه أفعالهم القبيحة ومجازاته إيّاهم بها فقال { فبما نقضهم } أي فبنقض هؤلاء الذين تقدّم ذكرهم ووصفهم { ميثاقهم } أي عهودهم التي عاهدوا الله عليها أن يعملوا بها في التوراة { وكفرهم بآيات الله } أي جحودهم بإعلام الله وحججه وأدلته التي احتجَّ بها عليهم في صدق أنبيائه ورسله { وقتلهم الأنبياء } بعد قيام الحجة عليهم بصدقهم { بغير حق } أي بغير استحقاق منهم لذلك بكبيرة أتوها أو خطيئة استوجبوا بها القتل وقد قدَّمنا القول في أمثال هذا وإنه إنما يذكر على سبيل التوكيد. فإن قتل الأنبياء لا يمكن إلا أن يكون بغير حق وهو مثل قولـه: { ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به } والمعنى أن ذلك لا يكون البتة عليه برهان { وقولـهم قلوبنا غلف } مضى تفسيره في سورة البقرة { بل طبع الله عليها بكفرهم } قد شرحنا معنى الختم والطبع عند قولـه:ختم الله على قلوبهم } [البقرة: 7] { فلا يؤمنون إلا قليلاً } أي لا يصدّقون قولـه إلا تصديقاً قليلاً وإنما وصفه بالقلة لأنهم لم يصدّقوا بجميع ما كان يجب عليهم التصديق به. ويجوز أن يكون الاستثناء من الذين نفى عنهم الإيمان فيكون المعنى إلا جمعاً قليلاً فكأنه سبحانه علم أنه يؤمن من جملتهم جماعة قليلة فيما بعد فاستثناهم من جملة من أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون، وبه قال جماعة من المفسرين مثل قتادة وغيره وذكر بعضهم أن الباء في قولـه: { فبما نقضهم } يتصل بما قبله والمعنى فأخذتهم الصاعقة بظلمهم وبنقضهم ميثاقهم وبكفرهم وبكذا وبكذا فتبع الكلام بعضه بعضاً.

السابقالتالي
2 3 4