الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً }

القراءة: قرأ عاصم ويعقوب نَزَّل بالفتح والباقون نُزِّل بضم النون وكسر الزاي. الحجة: والوجه في القراءتين ما ذكرناه قبل. الإعراب: إذا قرأت نَزّل بالفتح فإن في موضع نصب لأن تقديره نزل الله ذلك وإذا قرأت نُزِّل فإن في موضع الرفع وإنْ هذه هي المخففة من الثقيلة. النزول: كان المنافقون يجلسون إلى أحبار اليهود فيسخرون من القرآن فنهاهم الله تعالى عن ذلك عن ابن عباس. المعنى: لمَّا تقدَّم ذكر المنافقين وموالاتهم الكفار عَقَّبَ ذلك بالنهي عن مجالستهم ومخالطتهم فقال: { وقد نزَّل عليكم في الكتاب } أي في القرآن { أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها } أي يكفر بها المشركون والمنافقون ويستهزئون بها { فلا تقعدوا معهم } أي مع هؤلاء المستهزئين الكافرين { حتى يخوضوا في حديث غيره } أي حتى يأخذوا في حديث غير الاستهزاء بالدين وقيل حتى يرجعوا إلى الإيمان ويتركوا الكفر والاستهزاء والمنزل في الكتاب هو قولـه سبحانه في سورة الأنعاموإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره } [الأنعام: 68] وفي هذا دلالة على تحريم مخالطة الكفار عند كفرهم بآيات الله واستهزائهم بها وعلى إباحة مجالستهم عند خوضهم في حديث غيره. وروي عن الحسن أن إباحة القعود مع الكفار عند خوضهم في حديث آخر غير كفرهم واستهزائهم بالقرآن منسوخ بقولـه تعالى:فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين } [الأنعام: 68] { إنكم إذاً مثلهم } يعني أنكم إذا جالستموهم على الخوض في كتاب الله والهزء به فأنتم مثلهم وإنما حكم بأنهم مثلهم لأنهم لم ينكروا عليهم مع قدرتهم على الإنكار ولم يظهروا الكراهة لذلك ومتى كانوا راضين بالكفر كانوا كفاراً لأن الرضا بالكفر كفر. وفي الآية دلالة على وجوب إنكار المنكر مع القدرة وزوال العذر وإن من ترك ذلك مع القدرة عليه فهو مخطئ آثم، وفيها أيضاً دلالة على تحريم مجالسة الفساق والمبتدعين من أيّ جنس كانوا، وبه قال جماعة من أهل التفسير: وذهب إليه عبد الله بن مسعود وإبراهيم وأبو وائل قال إبراهيم: ومن ذلك إذا تكلم الرجل في مجلس يكذب فيضحك منه جلساؤه فيسخط الله عليهم. وبه قال عمر بن عبد العزيز. وروي أنه ضرب رجلاً صائماً كان قاعداً مع قوم يشربون الخمر. وروى العياشي بإسناده عن علي بن موسى الرضا ع في تفسير هذه الآية قال: إذا سمعت الرجل يجحد الحق ويكذب به ويقع في أهله فقم من عنده ولا تقاعده. وروي عن ابن عباس أنه قال: أمر الله تعالى في هذه الآية باتفاق ونهى عن الاختلاف والفرقة والمراء والخصومة وبه قال الطبري والبلخي والجبائي وجماعة من المفسرين. وقال الجبائي: وأما الكون بالقرب منهم بحيث يسمع صوتهم ولا يقدر على إنكارهم فليس بمحظور وإنما المحظور مجالستهم من غير إظهار كراهية لما يسمعه أو يراه. قال: وفي الآية دلالة على بطلان قول نُفاة الأعراض. وقولـهم: ليس ههنا شيء غير الأجسام لأنه قال: حتى يخوضوا في حديث غيره فأثبت غيراً لما كانوا فيه وذلك هو العَرَض. { إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً } أي إن الله يجمع الفريقين من أهل الكفر والنفاق في القيامة في النار والعقوبة فيها كما اتفقوا في الدنيا على عداوة المؤمنين والمظاهرة عليهم.