الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً } * { بَشِّرِ ٱلْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً }

اللغة: أصل البشارة الخبر السار الذي يظهر به السرور في بشرة الوجه ثم يستعمل في الخبر الذي يَغُمُّ أيضاً وضع إخبارهم بالعذاب موضع البشارة لهم والعرب تقول تحيتك الضرب وعتابك السيف أي تضع الضرب موضع التحية والسيف موضع العتاب. قال الشاعر:
وَخَيْلٍ قَدْ دَلَفْتُ لَهُمْ بِخَيْلٍ   تَحِيَّةٌ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجيعُ
وأصل العزة: الشدة ومنه قيل للأرض الصلبة الشديدة عَزاز. ومنه قيل: عزّ عليّ أن يكون كذا أي: شدّ عليّ وعزّ الشيء إذا صعب وجوده واشتد حصوله واعتزّ فلان بفلان إذا اشتد ظهره به والعزيز القوي المنيع بخلاف الذليل. المعنى: ثم قال تعالى: { إن الذين آمنوا ثم كفروا } قيل: في معناه أقوال أحدها: أنه عنى به الذين آمنوا بموسى ثم كفروا بعبادة العجل وغير ذلك { ثم آمنوا } يعني النصارى بعيسى { ثم كفروا } به { ثم ازدادوا كفراً } بمحمد صلى الله عليه وسلم عن قتادة وثانيها: أنه عنى به الذين آمنوا بموسى ثم كفروا بعد موسى ثم آمنوا بعزير ثم كفروا بعيسى ثم ازدادوا كفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم عن الزجاج والفراء وثالثها: أنه عنى به طائفة من أهل الكتاب أرادوا تشكيك نفر من أصحاب رسول الله فكانوا يظهرون الإيمان بحضرتهم ثم يقولون: قد عرضت لنا شبهة أُخرى فيكفرون ثم ازدادوا كفراً بالثبات عليه إلى الموت، عن الحسن. وذلك معنى قولـه تعالى:وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون } [آل عمران: 72] ورابعها: أن المراد به المنافقون آمنوا ثم ارتدوا ثم آمنوا ثم ارتدوا ثم ماتوا على كفرهم عن مجاهد وابن زيد. وقال ابن عباس، دخل في هذه الآية كل منافق كان في عهد النبي في البحر والبر. { لم يكن الله ليغفر لهم } بإظهارهم الإيمان فلو كانت بواطنهم كظواهرهم في الإيمان لما كفروا فيما بعد { ولا ليهديهم سبيلاً } معناه ولا يهديهم إلى سبيل الجنة كما قال فيما بعد، ولا ليهديهم طريقاً إلاَّ طريق جهنم ويجوز أن يكون المعنى أنه يخذلهم ولا يلطف بهم عقوبة لهم على كفرهم المتقدم. ثم قال: { بشر المنافقين } أي أخبرهم يا محمد { بأن لهم } في الآخرة { عذاباً أليماً } أي وجيعاً إن ماتوا على كفرهم ونفاقهم وفي هذه الآية دلالة على أن الآية المتقدمة نزلت في شأن المنافقين وأنه الأصح من الأقوال المذكورة ثم وصف هؤلاء المنافقين فقال { الذين يتخذون الكافرين } أي مشركي العرب وقيل اليهود { أولياء } أي ناصرين ومعينين وأخلاّء { من دون المؤمنين } أي من غيرهم { أيبتغون عندهم العزّة } أي أيطلبون عندهم القوة والمنعة باتخاذهم هؤلاء أولياء من دون الإيمان بالله تعالى ثم أخبر سبحانه أن العزة والمنعة له فقال { فإن العزة لله جميعاً } يريد سبحانه أنهم لو آمنوا مخلصين له وطلبوا الاعتزاز بالله تعالى وبدينه ورسوله والمؤمنين لكان أولى بهم من الاعتزاز بالمشركين فإن العزة جميعاً لله سبحانه ومن عنده يعزّ من يشاء ويذلّ من يشاء.