الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

القراءة: قرأ ابن عامر وحمزة أن تَلُوا بضم اللام وواو واحدة ساكنة والباقون تلووا بواوين الأولى مضمومة والثانية ساكنة. الحجة: من قرأ بواو واحدة فحجته أن يقول: إنه من الولاية وولاية الشيء إقبال عليه وخلاف الإعراض عنه فيكون المعنى أن تقبلوا أو تعرضوا فإن الله خبير بأعمالكم يجازي المحسن المقبل بإحسانه، والمسيء المعرض بإعراضه وتركه الإقبال على ما يلزمه أن يقبل عليه. قال: وإذا قرأت { تلووا } فهي من الليّ واللي مثل الأعراض فيكون كالتكرير ألا ترى أن قولـه:لوّوا رؤوسهم ورأيتهم يصدُّون } [المنافقون: 5] معناه الإعراض وترك الانقياد للحق. ومن قرأ { تلووا } من لوى فحجته أن يقول: لا ينكران يتكرر اللفظان بمعنى واحد نحو قولـه:فسجد الملائكة كلّهم أجمعون } [الحجر: 30] وقول الشاعر:
وَهِنْدٌ أتَى مِنْ دُونِها النَّأيُ وَالبعد   
وقول آخر:
وَأَلْفى قَوْلَـها كِذباً ومَيْنا   
وقيل: إن تلوا يجوز أن يكون تلووا. وإن الواو التي هي عين همزت لانضمامها كما همزت في أدؤر ثم طرحت الهمزة وألقيت حركتها على اللام التي هي فاء فصارت تلوا كما تطرح الهمزة في أدؤر وتلقى حركتها على الدال فتصير آدر. اللغة: القسط والإقساط العدل. يقال: أقسط الرجل إقساطاً إذا عدل وأتي بالقسط وقسط الرجل يقسط قسوطاً إذا جار. ويقال: قسط البعير يقسط قسطاً إذا يبست يده ويد قسطاء أي يابسة فكأن معنى أقسط: أقام الشيء على حقيقته في التعديل، وكان قسط أي جار معناه يبس الشيء وأفسد جهته المستقيمة والقوام فعال من القيام وهو أن يكون عادته القيام، واللّي الدفع يقال: لويت فلاناً حَقَّه إذا دفعته ومطلته ومنه الحديث: " ليّ الواجد ظلم " أي: مطل الغني جور. الإعراب: شهداء نصب على الحال من الضمير في قولـه: { قوَّامين } وهو ضمير الذين آمنوا ويجوز أن يكون خبر كان على أن لها خبرين نحو هذا حلو حامض، ويجوز أن يكون صفة لقوامين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما لم يقل به لأنه أراد فالله أولى بغناء الغني وفقر الفقير لأن ذلك منه سبحانه. وقيل: إنما ثنيَّ الضمير لأن أوفي هذا الموضع بمعنى الواو. وقيل: إنه لم يقصد غنيّاً بعينه ولا فقيراً بعينه فهو مجهول وما ذلك حكمه يجوز أن يعود إليه الضمير بالتوحيد والتثنية وقد ذكر أن في قراءة أبي فالله أولى بهم. وقيل: إنما قال بهما لأنهما قد ذكرا كما قال:وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما } [النساء: 12] وقيل: إنما جاز ذلك لأنه أضمر فيه من خاصم على ما نذكره في المعنى مشروحاً وإن تعدلوا يجوز أن يكون في موضع نصب بأنه مفعول له أي هَرَباً من أن تعدلوا وكراهة أن تعدلوا، ويجوز أن يكون في موضع جرّ على معنى فلا تتّبعوا الهوى لتعدلوا.

السابقالتالي
2 3