الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ ٱللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً }

اللغة: الاستطاعة والقوة والقدرة نظائر، والسعة خلاف الضيق، والواسع في صفات القديم اختلف في معناه. وقيل: إنه واسع العطاء أي المكرمة. وقيل: هو واسع الرحمة ويؤيده قولـه تعالى:ورحمتي وسعت كل شيء } [الأعراف: 156] وقيل: إنه واسع المقدور. المعنى: لمَّا تقدَّم ذكر النشوز والصلح بين الزوجين عَقَّبه سبحانه بأنه لا يكلف من ذلك ما لا يستطاع فقال { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم } أي لن تقدروا أن تسوّوا بين النساء في المحبة والمودّة بالقلب ولو حرصتم على ذلك كل الحرص فإن ذلك ليس إليكم ولا تملكونه فلا تكلفونه ولا تؤاخذون به عن ابن عباس والحسن وقتادة. وقيل: معناه لم تقدروا أن تعدلوا بالتسوية بين النساء في كلّ الأمور من جميع الوجوه من النفقة والكسوة والعطية والمسكن والصحبة والبرّ والبشر وغير ذلك، والمراد به أن ذلك لا يخفّف عليكم بل يثقل ويشق لميلكم إلى بعضهنّ. { فلا تميلوا كل الميل } أي فلا تعدلوا بأهوائكم عن مَن لم تملكوا محبة منهن كل العدول حتى يحملكم ذلكم على أن تجوروا على صواحبها في ترك أداء الواجب لهن عليكم من حق القسمة والنفقة والكسوة والعشرة بالمعروف { فتذروها كالمعلقة } أي تذروا التي لا تميلون إليها كالتي هي لا ذات زوج ولا أيّم عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وغيرهم، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله وذكر علي بن إبراهيم في تفسيره أنه سأل رجل من الزنادقة أبا جعفر الأحول عن قولـه سبحانه:فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } [النساء: 3] ثم قال: { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم } وبين القولين فرق قال: فلم يكن عندي جواب في ذلك حتى قدمت المدينة فدخلت على أبي عبد الله ع فسألته عن ذلك فقال: أما قولـه: { فإن خفتم ألا تعدلوا } فإنه عنى في النفقة وأما قولـه: { ولن تستطيعوا أن تعدلوا } فإنه عنى في المودة فإنه لا يقدر أحد أن يعدل بين امرأتين في المودة. قال: فرجعت إلى الرجل فأخبرته فقال: هذا ما حملتَه من الحجاز. " وروى أبو قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقسم بين نسائه ويقول: " اللهم هذه قسمتي فيما أملك فلا تَلُمْني فيما تملك ولا أملك ". قولـه: { وإن تصلحوا } يعني في القسمة بين الأزواج والتسوية بينهن في النفقة وغير ذلك { وتتقوا } الله في أمرهن وتتركوا الميل الذي نهاكم الله عنه في تفضيل واحدة على الأخرى { فإن الله كان غفوراً رحيماً } يستر عليكم ما مضى منكم من الحيف في ذلك إذا تبتم ورجعتم إلى الاستقامة والتسوية بينهن ويرحمكم بترك المؤاخذة على ذلك وكذلك كان يفعل فيما مضى مع غيركم وروي عن جعفر الصادق ع عن آبائه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه في مرضه فيطاف به بينهنّ.

السابقالتالي
2