الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً }

القراءة: قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم سيُصلون بضمّ الياء والباقون بفتحها. الحجة: قال أبو علي حجة من فتح الياء قولـه اصلوها فاصبروا و جهنم يصلونها وإلاَّ من هو صال الجحيم } [الصافات: 163] وحجة من ضمّ الياء أنه من أصلاه الله النار كقولـه:فسوف نصليه ناراً } [النساء: 30]. اللغة: ضعاف جمع ضعيف وضعيفة والسديد السليم من خلل الفساد وأصله من سد الخلل تقول: سددته أسده سداً والسداد الصواب وفيهم سِداد من عَوَزٍ بالكسر وسدد السهم إذا قوَّمه، والسَدُّ. الردم، وصلى لرجل النار يصليها صَلّى وصَلاء وصَلْياً أي لزمها وأصلاه الله إصلاء وهو صال النار من قوم صُليِّ وصالين. ويقال: صَلِيَ الأمر إذا قاسى حرّه وشدته قال العجاج:
وَصالِياتٍ لِلصَّلَى صِلِيُّ   
وقال الفرزدق:
وَقَاتَلَ كلْبُ الحَيّ عَنْ نارِ أَهْلِهِ   لَيَرْبِضَ فِيها وَالْصَّلا مُتَكَنِّفُ
وشاة مصليَّة أي مشوية وسعير بمعنى مسعورة مثل كفّ خضيب والسعر اشتعال النار واستعرت النار في الحطب ومنه سعر السوق لاستعارها به في النفاق. الإعراب: ظلماً نصبه على المصدر لأن معنى قولـه { يأكلون أموال اليتامى } يظلمونهم ويجوز أن يكون في موضع الحال كقولـهم جاءني فلان ركض أي يركض. المعنى: لما أمر الله تعالى بالقول المعروف ونهاهم عن خلافه أمر بالأقوال السديدة والأفعال الحميدة فقال: { وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً } فيه أقوال: أحدها: أنه كان الرجل إذا حضرته الوفاة، قعد عنده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: انظر لنفسك فإن ولدك لا يغنون عنك من الله شيئاً، فيقدم جُلَّ ماله، فقال: وليخش الذين لو تركوا من بعدهم أولاداً صغاراً { خافوا عليهم } الفقر وهذا نهي عن الوصية بما يجحف بالورثة وأمر لمن حضر الميت عند الوصية أن يأمره بأن يبقي لورثته ولا يزيد وصيته على الثلث كما أن هذا القائل لو كان هو الموصي لأحب أن يحثَّه من حضره على حفظ ماله لورثته ولا يدعهم عالة أي كما تحبّون ورثتكم فأحبّوا ورثة غيركم وهذا معنى قول ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة ومجاهد والضحاك. وثانيها: أن الأمر في الآية لوليّ مال اليتيم يأمره بأداء الأمانة فيه والقيام بحفظه كما لو خاف على مخلفيه إذا كانوا ضعافاً وأحب أن يفعل بهم عن ابن عباس أيضاً فيكون معناه من كان في حجره يتيم فليفعل به ما يحبُّ أن يفعلْ بذريته من بعده وإلى هذا المعنى يؤول ما روي عن موسى بن جعفر قال: إن الله أوعد في مال اليتيم عقوبتين ثنتين أما أحديهما: فعقوبة الدنيا قولـه: { وليخش الذين لو تركوا } الآية قال: يعني بذلك ليخش أن أخلفه في ذريته كما صنع بهؤلاء اليتامى.

السابقالتالي
2 3