الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }

القراءة: قرأ أهل الكوفة تسألون بتخفيف السين والباقون بتشديدها وقرأ حمزة والأرحام بالجر والباقون بالنصب وقرئ في الشواذ والأرحامُ بالرفع. الحجة: مَن خَفَّف تسألون أراد تتساءلون فحذف التاء من تتفاعلون لاجتماع حروف متقاربة ومن شَدّد فقال تَسألون فإنه أدغم التاء في السين وحسن ذلك لاجتماعهما في أنهما من حروف اللسان، وأصول الثنايا واجتماعهما في الهمس فخفف هنا بالإدغام كما خفف هناك بالحذف. قال أبو علي: من نصب الأرحام احتمل انتصابه وجهين: أحدهما: أن يكون معطوفاً على موضع الجار والمجرور، والآخر: أن يكون معطوفاً على اتقوا وتقديره: واتقوا الله واتقوا الأرحام فَصِلوها ولا تقطعوها. وأما مَن جرّ فإنه عطف على الضمير المجرور بالباء وهذا ضعيف في القياس وقليل في الاستعمال وما كان كذلك فترك الأخذ به أحسن، وإنما ضعف في القياس لأن الضمير قد صار عوضاً مما كان متصلاً بالاسم من التنوين فقبح أن يعطف عليه كما لا يعطف الظاهر على التنوين، ويدّلك على أنه أجري عندهم مجرى التنوين حذفهم الياء من المنادى المضاف إليها كحذفهم التنوين وذلك قولـهم يا غلام وهو الأكثر من غيره ووجه الشبه بينهما أنه على حرف كما أن التنوين كذلك واجتماعهما في السكون ولأنه لا يوقف على الاسم منفصلاً منه كما أن التنوين كذلك والمضمر اذهب في مشابهة التنوين من المظهر لأنه قد يفصل بين المضاف والمضاف إليه إذا كان ظاهراً بالظروف وبغيرها نحو قول الشاعر:
كَأنَّ أصواتَ مِنْ إيغالِهِنَّ بِنا   أواخِرِ الْمَيْسِ أصْواتُ الْفَرارِيجِ
وقول الآخر:
من قرع القسي الكنائن   
وليس المضمر في هذا كالظاهر فلما كان كذلك لم يستجين عطف الظاهر عليه، لأن المعطوف ينبغي أن يكون مشاكلاً للمعطوف عليه، وقد جاء ذلك في ضرورة الشعر أنشد سيبويه:
فَالْيَوْمَ قّرَّبْتَ تَهْجُونا وَتَشْتَمُنا   فَاذْهَبْ فَما بِكَ والأيَّامِ مِنْ عَجَبِ
فعطف الأيام على موضع الكاف وقال آخر:
نُعَلِّقُ في مِثْلِ السَّوارِي سُيُوفَنا   وَما بَيْنَها وَالْكَعْبِ غَوْطٌ نَفانِفُ
فعطف الكعب على الهاء والألف في بينها ومثل ذلك لا يجوز في القرآن والكلام الفصيح قال المازني: وذلك لأن الثاني في العطف شريك للأول فإن كان الأول يصلح أن يكون شريكاً للثاني، وإلا لم يصلح أن يكون الثاني شريكاً، فكما لا تقول مررت بزيدٍ وبك وكذلك لا تقول مررت بك وزيد وأما القراءة الشاذة في رفع الأرحام فالوجه في رفعه على الابتداء أي والأرحام مما يجب أن تتّقوه وحذف الخبر للعلم به. اللغة: البث النشر يقال: بثّ الله الخلق ومنه قولـهكالفراش المبثوث } [القارعة: 4] وبعضهم يقول أبث: بمعناه يقال: بثثتك سرّي، وابثثتك سرّي. لغتان وأصل الرقيب من الترقب وهو الانتطار ومنه الرقبى، لأن كل واحد منهما ينتظر موت صاحبه.

السابقالتالي
2 3