الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ } * { أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَـرَّةً فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَٱسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } * { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ }

القراءة: قرأ أبو جعفر يا حسرتاي بياء مفتوحة بعد الألف والباقون يا حسرتا بغير ياء. الحجة: قال ابن جني في قوله يا حسرتاي إشكال وذلك أن الألف في حسرتا إنما هي بدل من يا حسرتي أبدلت الياء ألفاً هرباً إلى خفة الألف من ثقل الياء. قال: والذي عندي فيه أنه جمع بين العوض والمعوض عنه كمذهب أبي إسحاق وأبي بكر في قول الفرزدق:
هُمـا نَفَثا فِي فيَّ مِنْ فَمَوَيْهِمـا   عَلَى النَّابِحِ الْعاوِي أَشَدَّ رِجامِ
فجمع بين الميم والواو وإنما الميم بدل من الواو ومثله ما أنشده أبو زيد:
إنّـــي إذا مــا حَــدَثٌ أَلَمّــا   أقُـولُ يَــا اللَّهُـــمَ يَــا اللَّهُمـــا
فجمع بين ياء وميم وإنما الميم عوض من ياء. اللغة: التفريط إهمال ما يجب أن يتقدَّم فيه حتى يفوت وقته ومثله التقصير وضدُّه الأخذ بالحزم يقال فلان حازم وفلان مفرط والتحسر الاغتمام مما فات وقته لانحساره عنه بما لا يمكنه لاستدراكه ومثله التأسف وأصل الباب الانقطاع. يقال: انحسرت الدابة أي انقطع سيرها كلالا والجنب العضو المعروف والجنب أيضاً معظم الشيء وأكثره يقال هذا قليل في جنب مودّتك ويقال ما فعلت في جنب حاجتي أي في أمره قال كثير:
أَلا تَتَّقِينَ اللهَ فِي جَنْبِ عاشِقٍ   لَـهُ كَبِــدٌ حَرّى عَلَيْــكَ تَقَطَّعُ
الإعراب: بلى قد جاءتك جواب قوله أو تقول لو أنَّ الله هداني لكنت من المتقين لأن معناه ما هداني فقيل لها بلى قد جاءتك آياتي لأن بلى جواب النفي وليس في الظاهر نفي فيحمل على المعنى. وجوههم مسودة مبتدأ وخبر والجملة في موضع نصب على الحال واستغنى عن الواو لمكان الضمير ويجوز في غير القرآن وجوههم بالنصب على البدل. من الذين كذبوا أي ترى وجوه الذين كذبوا على الله مسودة بالنصب ومثل النصب قول عدي بن زيد:
دَعِينِي إنَّ أَمْرَكَ لَنْ يُطاعا   وَمـا أَلْفَيْتَنِـي حِلْمِي مُضاعا
المعنى: لمّا أمر الله سبحانه باتّباع الطاعات واجتناب المقبحات تحذيراً من نزول العقويات بيَّن الغرض في ذلك بقوله { أن تقول نفس } أي خوف أن تقول أو حذراً من أن تقول والمعنى كراهة أن تصيروا إلى حال تقولون فيها { يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله } أي يا ندامتي على ما ضيَّعت من ثواب الله عن ابن عباس. وقيل: قصرت في أمر الله عن مجاهد والسدي. وقيل: في طاعة الله عن الحسن. قال الفراء: الجنب القرب أي في قرب الله وجواره. يقال: فلان يعيش في جنب فلان أي في قربه وجواره ومنه قوله تعالىوالصاحب بالجنب } [النساء: 36] فيكون المعنى على هذا القول على ما فرطت في طلب جنب الله أي في طلب جواره وقربه وهو الجنة.

السابقالتالي
2