الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ لِلنَّـاسِ بِٱلْحَقِّ فَـمَنِ ٱهْتَـدَىٰ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَـلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِـيلٍ } * { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا فَيُمْسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَ قُلْ أَوَلَوْ كَـانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ } * { قُل لِلَّهِ ٱلشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير عاصم وقتيبة قُضي بالضم الموت بالرفع والباقون قضى بالفتح الموت بالنصب. الحجة: قال أبو علي: حجة من بنى الفعل للفاعل قوله { ويرسل الأخرى } فكما أن هذا مبني للفاعل فكذلك حكم الذي عطف عليه ومن بنى الفعل للمفعول به فهو في المعنى مثل بناء الفعل للفاعل والأول أبين. اللغة: التوفي قبض الشيء على الإِيفاء والإتمام. يقال: توفيت حقّي من فلان واستوفيته بمعنى الاشمئزاز الانقباض والنفور عن الشيء قال عمرو بن كلثوم:
إذا عَضَّ الثِّقافُ بِهَا اشْمَأَزَّتْ   وَوَلَّتْهُـــمْ عَشَوْزَنَـــةً زَبُونــــا
وروى ثعلب عن ابن الأعرابي الشمز نفور الشيء من الشيء يكرهه. المعنى: ثم بيَّن سبحانه تحقيق وعيده بالعذاب المقيم بان قال { إنا أنزلنا عليك الكتاب } يعني القرآن { للناس } أي لجميع الخلق عن ابن عباس { بالحق } أي ليس فيه شيء من الباطل. وقيل: بالحق معناه بأنه الحق أو على أنه الحق الذي يجب النظر في موجبه ومقتضاه فما صحَّحه وجب تصحيحه وما أفسده وجب إفساده وما رغَّب فيه وجب العمل به وما حذَّر منه وجب اجتنابه وما دعا إليه فهو الرشد وما صرف عنه فهو الغيّ { فمن اهتدى } بما فيه من الأدلة { فلنفسه } لأن النفع في عاقبته يعود إليه { ومن ضل } عنه وحاد { فإنما يضل عليها } أي على نفسه لأن مضرة عاقبته من العقاب تعود عليه { وما أنت } يا محمد { عليهم بوكيل } أي برقيب في إيصال الحق إلى قلوبهم وحفظه عليهم حتى لا يتركوه ولا ينصرفوا عنه إذ لا تقدر على إكراههم على الإسلام. وقيل: بكفيل يلزمك إيمانهم فإنما عليك البلاغ { الله يتوفى الأنفس حين موتها } أي يقبضها إليه وقت موتها وانقضاء آجالها والمعنى حين موت أبدانها وأجسادها على حذف المضاف { والتي لم تمت في منامها } أي ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها والتي تتوفى عند النوم هي النفس التي يكون بها العقل والتمييز وهي التي تفارق النائم فلا يعقل والتي تتوفى عند الموت هي نفس الحياة التي إذا زالت زال معها النفس والنائم يتنفس فالفرق بين قبض النوم وقبض الموت أن قبض النوم يضاد اليقظة وقبض الموت يضاد الحياة وقبض النوم يكون الروح معه في البدن وقبض الموت يخرج الروح معه من البدن. { فيمسك التي قضى عليها الموت } إلى يوم القيامة لا تعود إلى الدنيا { ويرسل الأخرى } يعني الأنفس الأخرى التي لم يقض على موتها يريد نفس النائم { إلى أجل مسمى } قد سمّي لموته { إن في ذلك لآيات } أي دلالات واضحات على توحيد الله وكمال قدرته { لقوم يتفكرون } في الأدلة إذ لا يقدر على قبض النفوس تارة بالنوم وتارة بالموت غير الله تعالى.

السابقالتالي
2