الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ } * { إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ } * { وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأَخْيَارِ } * { وَٱذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَذَا ٱلْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ ٱلأَخْيَارِ } * { هَـٰذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ } * { جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأَبْوَابُ } * { مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ } * { وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ أَتْرَابٌ } * { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ }

القراءة: قرأ ابن كثير وحده { واذكر عبدنا إبراهيم } والباقون عبادنا وقرأ أهل المدينة وهشام بخالصة ذكرى الدار غير منون على الإضافة والباقون بالتنون وخلافهم في واليسع مذكور في سورة الأنعام وقرأ ابن كثير وأبو عمرو { ما يوعدون } بالياء وابن كثير وحده يقرأ في سورة ق بالياء أيضاً والباقون بالتاء في الموضعين وفي الشواذ قراءة الحسن والثقفي أولي الأيد بغير ياء. الحجة: قال أبو علي من قرأ عبدنا فإنه أختصَّه بالإضافة على وجه التكرمة له والاختصاص بالمنزلة الشريفة كما قيل: في مكة بيت الله ومن قرأ عبادنا أجرى هذا الوصف على غيره من الأنبياء أيضاً وجعل ما بعده بدلاً من العباد والأول جعل إبراهيم بدلاً وما بعده معطوفاً على المفعول به المذكور وقوله { بخالصة ذكرى الدار } يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون ذكرى بدلاً من الخالصة تقديره أنا أخلصناهم بالذكرى الدار ويجوز أن يقدر في قوله { ذكرى } التنوين فيكون الدار في موضع نصب تقديره بأن يذكروا الدار بالتأهب للآخرة. والثاني: أن لا يقدر البدل ولكن يكون الخالصة مصدر فيكون مثل قوله من دعاء الخير ويكون المعنى بخالصة تذكر الدار ويقوي هذا الوجه ما روي من قراءة الأعمش بخالصتهم ذكرى الدار وهذا يقوي النصب فكأنه قال بأن أخلصوا تذكير الدار فإذا نونت خالصة احتمل أمرين: أحدهما: أن يكون المعنى بأن خلصت لهم ذكرى الدار فيكون ذكرى في موضع رفع بأنه فاعل. والآخر: أن يقدر المصدر الذي هو خالصة من الإخلاص فحذفت الزيادة فيكون المعنى بإخلاص ذكرى فيكون ذكرى في موضع نصب والدار يجوز أن يعني بها الدنيا ويجوز أن يعني بها الآخرة والذي يدل على أنه يجوز أن يراد بها الدنيا قوله تعالى في الحكاية عن إبراهيمواجعل لي لسان صدق في الآخرين } [الشعراء: 84] وقولهوجعلنا لهم لسان صدق } [مريم: 5] فاللسان هو القول الحسن والثناء عليه لا الجارحة كما في قول الشاعر:
نَدِمْتُ عَلَى لِسانٍ فاتَ مِنّي   فَلَيْــتَ بِأَنَّهُ فِـي جَوْفِ عِكْمِ
وكذلك قول الآخر:
إِنِّـــي أَتانِــي لِسانٌ لا أَسُرُّ بِهِ   مِنْ عَلْوَ لا كَذِبٌ فيهِ وَلا سَخَرُ
وقوله تعالىوتركنا عليه في الآخرين } [الصافات: 78، 108]سلام على إبراهيم } [الصافات: 109] وسلام على نوح في العالمين } [الصافات: 79] والمعنى أبقينا عليهم الثناء الجميل في الدنيا فالدار في هذا التقدير ظرف والقياس أن يتعدّى الفعل والمصدر إليه بالحرف ولكنَّه على ذهبت الشام عند سيبويه:
وكَمـا عَسَـلَ الطَّـرِيقَ الثَّعْــلَبُ   
وأما جواز كون الدار الآخرة في قوله { أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار } فيكون ذلك بإخلاصهم ذكرى الدار ويكون ذكرهم لها وجل قلوبهم منها ومن حسابها كما قالوهم من الساعة مشفقون } [الأنبياء: 49] فالدار على هذا مفعول بها وليست كالوجه المتقدم وأما من أضاف فقال بخالصة ذكرى الدار فإن الخالصة تكون على ضروب تكون للذكر وغير الذكر فإذا أضيفت إلى ذكرى اختصت الخالصة بهذه الإضافة فتكون هذه الإضافة إلى المفعول به كأنه بإخلاصهم ذكرى الدار أي بأن أخلصوا ذكرها والخوف منها لله ويكون على إضافة المصدر الذي هو الخالصة إلى الفاعل تقديره بأن خلصت لهم ذكرى الدار والدار على هذا يحتمل الوجهين اللذين تقدَّما من كونها للآخرة والدنيا فأما قوله

السابقالتالي
2 3 4