الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ } * { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ } * { وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْئَيْكَةِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلأَحْزَابُ } * { إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ } * { وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ }

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير عاصم من فُواق بضم الفاء والباقون بفتحها. الحجة: وهما لغتان مثل قَصاص الشعر وقُصاصه وجُمامُ المَكُّوك وجَمامه وهو من الإفاقة وما بين الرضعتين فواق. وقيل: بينهما فرق فبالفتح يكون بمعنى الراحة وبالضم بمعنى المهلة والانتظار عن أبي عبيدة والفراء. اللغة: هنالك إشارة إلى المكان البعيد وهناك بين البعيد والقريب وهنا للقريب ومثله ذا وذاك وذلك. والأحزاب جمع حزب وهو الجماعة التي تجتمع من كل أوب وقال الزجاج { ما لها من فواق } أي رجوع وفواق الناقة مشتق من الرجوع أيضاً لأنه يعود اللبن إلى الضرع بين الحلبتين وأفاق من مرضه أي رجع إلى الصحة. الإعراب: ما مزيدة في قوله جند ما مثلها في قول الأعشى:
فَأَذْهَبا ما إلَيْكَ أَدْرَكَنِي الْحِلْمُ   عِداتِــي عَنْ هَيْجِكُـمْ أَشْغالِي
وجند مبتدأ وهنالك صفة أي جند ثابت هنالك. ومهزوم خبر مبتدأ ويجوز أن يكون هنالك ظرفاً لمهزوم أي جند مهزوم في ذلك الموضع. { كذبت قبلهم قوم نوح } يجوز أن يقف على قوله { نوح } ويكون عاد مبتدأ ما بعده معطوف عليه ويكون أولئك الأحزاب خبراً عن الجميع ويجوز أن يكون الخبر قوله { إن كل إلا كذَّب الرسل } ويجوز أن يكون أولئك الأحزاب ابتداء ويقف على قوم لوط. المعنى: ثم أخبر سبحانه عن الكفار أنهم سيهزمون ببدر فقال { جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب } قال قتادة أخبر الله سبحانه وهو بمكة أنه سيهزم جند المشركين فجاء تأويلها يوم بدر وهنالك إشارة إلى بدر ومصارعهم بها أي هؤلاء الذين يقولون هذا القول جند مهزومون مغلوبون من جملة الكفار الذين تحزَّبوا على الأنبياء وأنت منصور عليهم مظفر غالب. وقيل: هم الأحزاب الذين حاربوا نبينا صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ووجه اتصاله بما قبله أن المعنى كيف يرتقون إلى السماء وهم فرق من قبائل شتّى مهزومون. { كذبت قبلهم } أي قبل هؤلاء الكفار { قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد }. وقيل: في معناه أقوال: أحدها: أنه كانت له ملاعب من أوتاد يلعب له عليها عن ابن عباس وقتادة وعطاء. والثاني: أنه كان يعذب الناس بالأوتاد وذلك أنه إذا غضب على أحد وتد يديه ورجليه ورأسه على الأرض عن السدي والربيع بن أنس ومقاتل والكلبي. والثالث: أن معناه ذو البنيان والبنيان أوتاد عن الضحاك. والرابع: أن المعنى ذو الجنود والجموع الكثيرة بمعنى أنهم يشدّون ملكه ويقوّون أمره كما يقوّي الوتد الشيء عن الجبائي والقتيبي والعرب تقول هو في عزّ ثابت الأوتاد والأصل فيه أن بيوتهم إنما ثبتت بالأوتاد قال الأسود بن يعفر:
وَلَقَدْ غَنَوْا فِيها بِأَنْعَمِ عَيْشَةٍ   فِــي ظِلِ مُلْكٍ ثابِتِ الأَوْتادِ
والخامس: أنه سمّي ذو الأوتاد لكثرة جيوشه السائرة في الأرض وكثرة أوتاد خيامهم فعبَّر بكثرة الأوتاد عن كثرة الأجناد { وثمود } يعني قوم صالح { وقوم لوط وأصحاب لئيكة } وهم قوم شعيب { أولئك الأحزاب } لما ذكر سبحانه هؤلاء المكذبين أعلمنا أن مشركي قريش حزب من هؤلاء الأحزاب ومعناه هم الأحزاب حقاً أي أحزاب الشيطان كما يقال هم هم قال:

السابقالتالي
2