الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } * { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } * { قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ } * { أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وَٱلأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } * { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } * { فَسُبْحَانَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

القراءة: قرأ يعقوب يقدر بالياء وكذلك في الأحقاف والوجه فيه ظاهر وفي الشواذ قراءة طلحة وإبراهيم التيمي والأعمش ملكة كل شيء ومعناه فسبحان الذي بيده القدرة على كل شيء وهو من ملكت العجين إذا أجدت عجنه فقويته بذلك والمَلَكوت فَعَلُوت منه زادوا فيه الواو والتاء للمبالغة بزيادة اللفظ ولهذا لا يطلق الملكوت إلا على الأمر العظيم. الإعراب: { الذي جعل لكم } بدل من الذي أنشأها ويجوز أن يكون مرفوعاً أو منصوباً على المدح. { أن يقول } في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ. النزول: قيل: إن أبيّ بن خلف أو العاص بن وائل جاء بعظم بال متفتت وقال يا محمد أتزعم أن الله يبعث هذا فقال: " نعم " فنزلت الآية { أولم ير الإنسان } إلى آخر السورة. المعنى: ثم نبَّه سبحانه خلقه على الاستدلال على صحة البعث والإعادة فقال { أولم ير } أو لم يعلم { الإنسان أنا خلقناه من نطفة } والتقدير ثم نقلناه من النطفة إلى العلقة ومن العلقة إلى المضغة ومن المضغة إلى العظم ومن العظم إلى أن جعلناه خلقاً سويّاً ثم جعلناه فيه الروح وأخرجناه من بطن أمه وربَّيناه ونقلناه من حال إلى حال إلى أن كمل عقله وصار متكلّماً خصيماً وذلك قوله { فإذا هو خصيم مبين } أي مخاصم ذو بيان أي فمن قدر على جميع ذلك فكيف لا يقدر على الإعادة وهي أسهل من الإنشاء والابتداء ولا يجوز أن يكون خلق الإنسان واقعاً بالطبيعة لأن الطبيعة في حكم الموات في أنها ليست بحيّة قادرة فكيف يصحُّ منها الفعل ولا أن يكون كذلك بالاتفاق لأن المحدَث لا بدَّ له من محدِث قادر عالم وفي الآية دلالة على صحة استعمال النظر في الدين لأن الله سبحانه أقام الحجة على المشركين بقياس النشأة الثانية على النشأة الأولى وألزم من أقرَّ بالأولى أن يقرّ بالثانية. ثم أكَّد سبحانه الإنكار عليه فقال { وضرب لنا مثلاً } أي ضرب المثل في إنكار البعث بالعظم البالي وفتَّه بيده وتتعجَّب ممن يقول أن الله يحييه { ونسي خلقه } أي وترك النظر في خلق نفسه إذ خلق من نطفة. ثم بيَّن ذلك المثل بقوله { قال من يحيي العظام وهي رميم } أي بالية واختلف في القائل لذلك فقيل هو أبي بن خلف عن قتادة ومجاهد وهو المروي عن الصادق ع. وقيل: هو العاص بن وائل السهمي عن سعيد بن جبير. وقيل: أمية بن خلف عن الحسن. ثم قال سبحانه في الردّ عليه { قل } يا محمد لهذا المتعجب من الإعادة { يحييها الذي أنشاها أول مرة } لأن من قدر على اختراع ما يبقى فهو على إعادته قادر لا محالة { وهو بكل خلق عليم } من الابتداء والإعادة فيعلم به قبل أن يخلقه أنه إذا خلقه كيف يكون ويعلم به قبل أن يعيده إنه إذا أعاده كيف يكون.

السابقالتالي
2