الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ } * { وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } * { وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } * { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ } * { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ } * { فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ }

القراءة: في الشواذ قراءة الحسن والأعمش رُكُوبُهم وقراءة عائشة وأبي بن كعب ركوبتهم. الحجة: أما الركوب فمصدر والكلام على حذف المضاف والتقدير فمنها ذو ركوبهم وذو الركوب هو المركوب ويجوز أن يكون التقدير فمن منافعها ركوبهم كما يقول الإنسان لغيره من بركاتك وصول الخير إليَّ على يدك وأما ركوبتهم فهي المركوبة كالقتوبة والحلوبة والجزورة لما يقتل ويحلب ويجزر. المعنى: ثم عاد الكلام إلى ذكر الأدلة على التوحيد فقال سبحانه { أولم يروا } معناه أولم يعلموا { أنا خلقنا لهم } أي لمنافعهم { مما عملت أيدينا } أي مما ولينا خلقه بإبداعنا وإنشائنا لم نشارك في خلقه ولم نخلقه بإعانة معين واليد في اللغة على أقسام منها الجارحة ومنها النعمة ومنها القوة ومنها تحقيق الإضافة يقال في معنى النعمة لفلان عندي يد بيضاء وبمعنى القدرة تلقى فلان قولي باليدين أي بالقوة والتقبل وبمعنى تحقيق الإضافة قول الشاعر:
دَعَوْتُ لِما نابَني مِسْوَراً   فَلَـــبّى فَلَبّـي يَدَيْ مِسْوَرِ
وإنما ثنّاه لتحقيق المبالغة في الإضافة إلى مسور ويقولون هذا ما جنت يداك وهو المعنيّ في الآية وإذا قال لواحد منّا عملت هذا بيدي دلَّ ذلك على انفراده بعمله من غير أن يكله إلى أحد { أنعاماً } يعني الإبل والبقر والغنم { فهم لها مالكون } أي ولو لم نخلقها لما ملكوها ولما انتفعوا بها وبألبانها وركوب ظهورها ولحومها. وقيل: فهم لها ضابطون قاهرون لم نخلقها وحشية نافرة منهم لا يقدرون على ضبطها فهي مسخّرة لهم وهو قوله { وذلّلناها لهم } أي سخَّرناها لهم حتى صارت منقادة { فمنها ركوبهم ومنها يأكلون } قسم الأنعام بأن جعل منها ما يركب ومنها ما يذبح فينتفع بلحمه ويؤكل. قال مقاتل: الركوب الحمولة يعني الإبل والبقر. { ولهم فيها منافع ومشارب } فمن منافعها لبس أصوافها وأشعارها وأوبارها وأكل لحومها وركوب ظهورها إلى غير ذلك من أنواع المنافع الكثيرة فيها والمشارب من ألبانها { أفلا يشكرون } الله تعالى على هذه النعم. ثم ذكر سبحانه جهلهم فقال { واتخذوا من دون الله آلهة } يعبدونها { لعلهم ينصرون } أي لكي ينصروهم ويدفعوا عنهم عذاب الله { لا يستطيعون نصرهم } يعني هذه الآلهة التي عبدوها لا تقدر على نصرهم والدفع عنهم { وهم لهم جند محضرون } يعني أن هذه الآلهة معهم في النار محضرون لأن كل حزب مع ما عبده من الأوثان في النار فلا الجند يدفعون عنها الإحراق ولا هي تدفع عنهم العذاب وهذا كما قال سبحانهإنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } [الأنبياء: 98] عن الجبائي. وقيل: معناه أن الكفار جند للأصنام يغضبون لهم ويحضرونهم في الدنيا عن قتادة أي يغضبون للآلهة في الدنيا وهي لا تسوق إليهم خيراً ولا تدفع عنهم شرّاً قال الزجاج ينصرون الأصنام وهي لا تستطيع نصرهم. ثم عزّى نبيَّه صلى الله عليه وسلم بأن قال { فلا يحزنك قولهم } في تكذيبك { إنا نعلم ما يسرّون } في ضمائرهم { وما يعلنون } بألسنتهم فنجازيهم على كل ذلك.