القراءة: قرأ أهل المدينة والشام عالمُ الغيب بالرفع وقرأ حمزة والكسائي علام الغيب بالجر واللام قبل الألف والباقون عالم الغيب بالجرّ وقرأ ابن كثير وحفص ويعقوب من رجز أليم هنا وفي الجاثية أيضاً بالرفع والباقون بالجر. الحجة: قال أبو علي: الجر على قوله { الحمد الله عالم الغيب } وقال غيره: عالم الغيب بالجر صفة لقوله { وربي } أو بد ل منه فأما الرفع فيجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره هو عالم الغيب وأن يكون ابتداء وخبره لا يعزب وعلام أبلغ من عالم والرجز العذاب بدلالة قوله{ لئن كشفت عنا الرجز وأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء } [البقرة: 59] فإذا كان العذاب يوصف بأليم كما أنه نفس العذاب جاز أن يوصف به والجرّ في أليم أبين لأنه إذا كان عذاب من عذاب أليم كان العذاب الأول أليماً وإذا جرى الأليم على العذاب كان المعنى عذاب أليم من عذاب والأول أكثر فائدة. اللغة: الحمد هو الوصف بالجميل على جهة التعظيم ونقيضه الذم وهو الوصف بالقبيح على جهة التحقير ثم ينقسم فمنه ما هو أعلى ومنه ما هو أدنى والأعلى ما يقع على وجه العبادة ولا يستحقها إلا الله سبحانه لأن إحسان الله عزَّ اسمه لا يوازيه إحسان أحد من المخلوقين وليستحق الحمد على الإِحسان والإنعام فلا يستحق أحد من المخلوقين مثل ما يستحقه سبحانه والولوج الدخول والعروج الصعود والمعارج الدرج من هذا وعزب عنه يعزُب ويعزب إذا بعد وفي الحديث: " من قرأ القرآن في أربعين ليلة فقد عزب أي بعد عهده بما ابتدأ منه وأبطأ في تلاوته ". الإعراب: { ليجزي الذين آمنوا } يتعلق بقوله لا يعزب. المعنى: { الحمد لله } معناه قولوا الحمد لله وهو تعريف لوجوب الشكر على نعم الله سبحانه وتعليم لكيفية الشكر { الذي له ما في السماوات وما في الأرض } أي الذي يملك التصرف في جميع ما في السموات وجميع ما في الأرض ليس لأحد الاعتراض عليه ولا منعه { وله الحمد في الأخرة } أي هو المستحق للحمد على أفعاله الحسنى في الدارين لكونه منعماً فيهما والآخرة وإن كانت ليست بدار تكليف فلا يسقط فيها الحمد والاعتراف بنعم الله تعالى بل العباد ملجؤون إلى ذلك لمعرفتهم الضرورية بنعم الله عليهم من الثواب والعوض وضروب التفضل ومن حمد أهل الجنة قولهم{ الحمد لله الذي هدانا لهذا } [الأعراف: 43] و{ الحمد لله الذي صدقنا وعده } [الزمر: 74]. وقيل: إنما يحمده أهل الجنة لا على جهة التعبد لكن على جهة السرور والتلذذ بالحمد ولا يكون بالحمد عليهم فيه تعب ولا مشقة. وقيل: يحمده أهل الجنة على نعمه وفضله ويحمده أهل النار على عدله { وهو الحكيم } في جميع أفعاله لأنها كلها واقعة على وجه الحكمة { الخبير } بجميع المعلومات.