الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَلاَ بِٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ٱلْقَوْلَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } * { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوۤاْ أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ ٱلْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَجَعَلْنَا ٱلأَغْلاَلَ فِيۤ أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }

الإعراب: بل مكر الليل والنهار فيه وجهان: أحدهما: أن يكون مكر مبتدأ وخبره محذوفاً أي مكركم في الليل والنهار صدَّنا عن ذلك حين أمرتمونا أن نكفر بالله والآخر: أن يكون فاعل فعل محذوف تقديره بل صدَّنا مكركم في الليل والنهار والعرب تضيف الأحداث إلى الزمان على سبيل الاتساع فتقول صيام النهار وقيام الليل والمعنى أن الصيام في النهار والقيام في الليل قال الشاعر:
لَقَدْ لُمْتِنا يا أُمَّ غَيْلانِ فِي السُّرى   وَنِمْــتِ وَما لَيْـــلُ الْمَطِيّ بِنائمِ
فوصف الليل بالنوم وهذا على حدّ قولك نهارك صائم وليلك قائم. المعنى: ثم بيَّن سبحانه حالهم في القيامة فقال حكاية عنهم { وقال الذين كفروا } وهم اليهود. وقيل: هم مشركوا العرب وهو الأصح { لن نؤمن بهذا القرآن } أي لا نصدق بأنه من الله تعالى { ولا بالذي بين يديه } من أمر الآخرة. وقيل: يعنون به التوراة والإنجيل وذلك أنه لما قال مؤمنو أهل الكتاب أن صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتابنا وهو نبي مبعوث كفر المشركون بكتابهم ثم قال { ولو ترى } يا محمد { إذ الظالمون موقوفون عند ربهم } أي محبوسون للحساب يوم القيامة { يرجع بعضهم إلى بعض القول } أي يرد بعضهم إلى بعض القول في الجدال { يقول الذين استضعفوا } وهم الأتباع { للذين استكبروا } وهم الأشراف والقادة { لولا أنتم لكنا مؤمنين } مصدّقين بتوحيد الله أي أنتم منعتمونا من الإيمان والمعنى لولا دعاؤكم إيّانا إلى الكفر لآمنا بالله في الدنيا { قال الذين استكبروا للذين استضعفوا } أي قال المتبوعون للأتباع على طريق الإنكار { أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم } أي لم نصدّكم نحن عن قبول الهدى { بل كنتم مجرمين } أي بل أنتم كفرتم ولم نحملكم على الكفر قهراً فكل واحد من الفريقين ورَّك الذنب على صاحبه واتّهمه ولم يضف واحد منهم الذنب إلى الله تعالى. { وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا } يعني الأتباع للمتبوعين { بل مكر الليل والنهار } أي مكركم في الليل والنهار صدَّنا عن قبول الهدى { إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً } أي حين أمرتمونا أن نجحد وحدانية الله تعالى ودعوتمونا إلى أن نجعل له شركاء في العبادة { وأسرّوا الندامة } فيه وجهان: أحدهما: أن معناه أظهروا الندامة والآخر: أن المعنى أخفوها وقد فسَّر الأسرار في بيت أمرء القيس:
تَجاوَزْتُ أَحْراساً إلَيْها وَمَعْشَراً   عَلَيَّ حِراصٍ لَوْ يُسِرُّون مَقْتَلي
على الوجهين فمن قال بالأول قال: معناه أظهر المتبوعون الندامة على الإضلال وأظهر الأتباع الندامة على الضلال. وقيل: معناه أقبل بعضهم على بعض يلومه ويظهر ندمه ومن قال بالثاني قال: معناه أخفوا الندامة في أنفسهم خوف الفضيحة. وقيل: معناه أن الرؤساء أخفوا الندامة عن الأتباع { لما رأوا العذاب } أي حين رأوا نزول العذاب بهم { وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا } قال ابن عباس: غلوا بها في النيران { هل يجزون إلا ما كانوا يعملون } أي لا يجزون إلا بأعمالهم التي عملوها على قدر استحقاقهم { وما أرسلنا في قرية من نذير } أي من نبيّ مخوّف بالله تعالى { إلا قال مترفوها } أي جبابرتها وأغنياؤها المتنعمون فيها { إنا بما أرسلتم به كافرون } وفي هذا بيان للنيي صلى الله عليه وسلم أن أهل قريته جروا على منهاج الأولين وإشارة إلى أنه كان أتباع الأنبياء فيما مضى الفقراء وأوساط الناس دون الأغنياء.

السابقالتالي
2