الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } * { يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } * { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } * { لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

المعنى: ثم أمر الله سبحانه أهل الإِيمان والتوحيد بالتقوى والقول السديد فقال { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله } أي اتقوا عقاب الله باجتناب معاصيه وفعل واجباته { وقولوا قولاً سديداً } أي صواباً بريئاً من الفساد خالصاً من شائقة الكذب واللغو موافق الظاهر للباطن وقال الحسن وعكرمة: صادقاً يعني كلمة التوحيد لا إله إلا الله. وقال مقاتل: هذا يتصل بالنهي عن الإيذاء أي قولوا قولاً صواباً ولا تنسبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما لا يجمل ولا يليق به. { يصلح لكم أعمالكم } معناه إن فعلتم ذلك يصلح لكم أعمالكم بأن يلطف لكم فيها حتى تستقيموا على الطريقة المستقيمة السليمة من الفساد ويوفّقكم لما فيه الصلاح والرشاد. وقيل: معناه يزكّي أعمالكم ويتقبَّل حسناتكم عن ابن عباس ومقاتل { ويغفر لكم ذنوبكم } باستقامتكم في الأقوال والأفعال { ومن يطع الله ورسوله } في الأوامر والنواهي { فقد فاز فوزاً عظيماً } أي فقد أفلح إفلاحاً عظيماً. وقيل: فقد ظفر برضوان الله وكرامته { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال } اختلف في معنى الأمانة فقيل هي ما أمر الله به من طاعته ونهى عنه من معصيته عن أبي العالية. وقيل: هي الأحكام والفرائض التي أوجبها الله تعالى على العباد عن ابن عباس ومجاهد وهذان القولان متقاربان. وقيل: هي أمانات الناس والوفاء بالعهود فأولها ائتمان آدم ابنه قابيل على أهله وولده حين أراد التوجه إلى مكة عن أمر ربه فخان قابيل إذ قتل هابيل عن السدي والضحاك واختلف في معنى عرض الأمانة على هذه الأشياء. وقيل: فيه أقوال: أحدها: أن المراد العرض على أهلها فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وعرضها عليهم هو تعريفه إياهم أن في تضييع الأمانة الإِثم العظيم وكذلك في ترك أوامر الله تعالى وأحكامه فبيّن سبحانه جرأة الإنسان على المعاصي وإشفاق الملائكة من ذلك فيكون المعنى عرضنا الأمانة على أهل السماوات والأرض والجبال من الملائكة والجن والإِنس. { فأبين أن يحملنها } أي فأبى أهلهن أن يحملوا تركها وعقابها والمأثم فيها { وأشفقن منها } أي وأشفقن أهلهن من حملها { وحملها الإِنسان إنه كان ظلوماً } لنفسه بارتكاب المعاصي { جهولاً } بموضع الأمانة في استحقاق العقاب على الخيانة فيها عن أبي علي الجبائي وقال: إذا لم يصح حمله على نفس السماوات والأرض والجبال فلا بدَّ أن يكون المراد به أهلها لأنَّه يجب أن يكون المراد به المكلفين دون غيرهم لأن ذلك لا يصح إلا فيهم ولا بدَّ من أن يكون المراد بحمل الأمانة تضييعها لأن نفس الأمانة قد حملتها الملائكة وقامت بها. قال الزجاج: كل من خان الأمانة فقد حملها ومن لم يحمل الأمانة فقد أدّاها وكذلك كل من أثم فقد احتمل الإِثم.

السابقالتالي
2 3