الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً } * { وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً } * { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً } * { لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً }

القراءة: قرأ عاصم أسوة بضم الألف حيث كان في جميع القرآن والباقون بكسر الألف وهما لغتان ومعناهما قدوة. اللغة: النحب النذر قال بشر بن أبي حازم:
وَإنّـــي وَالْهِجـــاءُ لآلِ لامٍ   كَذاتِ النَّحْبِ تُوفِي بِالنُّذورِ
والنحب الموت قال ذو الرمة:
عَشِيَّـــةَ فَـــرَّ الْحـــارِثِيُــونَ بَعْدَما   قَضى نَحْبَهُ في مُلْتَقَى الخَيْلِ هَوْبَرُ
وهوبر اسم رجل والنحب الخطر قال جرير:
بِطِخْفَــةَ جالَدْنَا المُلُـوكَ وَخَيْلُنا   عَشِيَّةَ بِسْطامٍ جَرَيْنَ عَلى نَحْبِ
أي على خطر والنحبْ المد في السير يوماً وليلة. المعنى: ثم حثَّ سبحانه على الجهاد والصبر عليه فقال: { لقد كان لكم } معاشر المكلفين { في رسول الله أسوة حسنة } أي قدوة صالحة يقال: لي في فلان أسوة أي لي به اقتداء والأسوة من الاتساء كما أن القدوة من الاقتداء اسم وضع موضع المصدر والمعنى كان لكم برسول الله اقتداء لو اقتديتم به في نصرته والصبر معه في مواطن القتال كما فعل هو يوم أحد إذ انكسرت رباعيته وشجَّ حاجبه وقتل عمّه فواساكم مع ذلك بنفسه فهلاّ فعلتم مثل ما فعله هو وقوله { لمن كان يرجوا الله } بدل من قوله لكم وهو تخصيص بعد العموم للمؤمنين يعني أن الأسوة برسول الله إنما تكون. { لمن كان يرجوا الله } أي يرجو ما عند الله من الثواب والنعيم عن ابن عباس. وقيل: معناه ويخشى الله البعث الذي فيه جزاء الأعمال وهو قوله { واليوم الآخر } عن مقاتل: { وذكر الله كثيراً } أي ذكراً كثيراً وذلك أن ذاكر الله متّبع لأوامره بخلاف الغافل عن ذكره. ثم عاد سبحانه إلى ذكر الأحزاب فقال { ولما رأى المؤمنون الأحزاب } أي ولمّا عاين المصدّقون بالله ورسوله الجماعة التي تحزَّبت على قتال النبي صلى الله عليه وسلم مع كثرتهم { قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله } اختلف في معناه على قولين: أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أخبرهم أنه يتظاهر عليهم الأحزاب ويقاتلونهم ووعدهم الظفر بهم فلما رأوهم تبين لهم مصداق قوله وكان ذلك معجزاً له { وما زادهم } مشاهدة عدوهم { إلا إيماناً } أي تصديقاً بالله ورسوله { وتسليماً } لأمره عن الجبائي. والآخر: أن الله تعالى وعدهم في سورة البقرة بقولهأم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا } [البقرة: 214] إلى قولهإن نصر الله قريب } [البقرة: 214] ما سيكون من الشدة التي تلحقهم من عدوّهم فلما رأوا الأحزاب يوم الخندق قالوا هذه المقالة علماً منهم أنه لا يصيبهم إلا ما أصاب الأنبياء والمؤمنين قبلهم وزادهم كثرة المشركين تصديقاً ويقيناً وثباتاً في الحرب عن قتادة وغيره. { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } أي بايعوا أن لا يفرّوا فصدَّقوا في لقائهم العدو { فمنهم من قضى نحبه } أي مات أو قتل في سبيل الله فأدرك ما تمنى فذلك قضاء النحب.

السابقالتالي
2 3