الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } * { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } * { أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ }

القراءة: قرأ حمزة ويعقوب ما أُخْفي لهم ساكنة الياء والباقون بفتحها وروي في الشواذ عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي هريرة وأبي الدرداء وابن مسعود قرّات أعين. الحجة: قال أبو علي: الذي يقوّي بناء الفعل للمفعول به قوله { فلهم جنات المأوى نزلاً } فأبهم ذلك كما أبهم قوله { أخفي لهم } ولم يسند إلى فاعل بعينه ولو كان أخفي لكان أعطاهم جنات المأوى ويقوّي قراءة حمزة أن أخفي مثل { آتينا كل نفس هديها } وقوله { حق القول مني } وقوله { ومما رزقناهم ينفقون } وأما ما في قوله { ما أخفي } فالأبين فيه أن يكون استفهاماً وهو عندي قياس قول الخليل فمن قال: أُخْفِيَ كان ما عنده مرفوعاً بالابتداء والذكر الذي في أخفى يعود إليه والجملة التي هي ما أخفيَ في موضع نصب ويعلم هو الذي يتعدّى إلى مفعولين كما أن قولهإن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء } [العنكبوت: 42] كذلك ومن قال: ما أُخْفِي لهم فإن ما في موضعع نصب بأخفي والجملة في موضع نصب بيعلم كما كان في الأول كذلك ومثله قولهفسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار } [الأنعام: 135] وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه } [هود: 93] وما أشبه ذلك يحمل فيه العلم على التعدي إلى مفعولين ومن بعده للاستفهام وأما قوله { قرَّة أعين } فإن القرّة مصدر وكان القياس أن لا يجمع لأن المصدر اسم الجنس والأجناس أبعد شيء من الجمعية لكن جعلت القرة نوعاً ها هنا فجمع كما يقال: نحن في أشغال ولنا علوم. اللغة: التجافي تعاطي الارتفاع عن الشيء ومثله النمو يقال: جفا عنه يجفو جفاء وتجافى عنه تجافياً إذا نبا عنه قال الشاعر:
وَصاحِبِي ذاتُ هِبابٍ دَمْشَقُ   وَابْـن مِلاطٍ مُتَجـافٍ أرْفَقُ
والمضجع موضع الاضطجاع. وقال عبد الله بن رواحة يصف النبي صلى الله عليه وسلم:
يَبِـيتُ يُجافِـي جَنْبَـهُ عَـنْ فِراشِهِ   إذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ المَضاجِعُ
الإِعراب: { خوفاً وطمعاً } مفعول له كما يقال: فعلت ذلك مخافة الشر. قال الزجاج: وحقيقته أنه في موضع المصدر لأن يدعون ربهم هنا يدل على أنهم يخافون عذابه ويرجون رحمته فهو في تأويل يخافون خوفاً ويطمعون طمعاً وقوله { جزاء } منصوب أيضاً بأنه مفعول له لا يستوون جواب الاستفهام أي لا يكون كذلك والواو الثانية في يستوون فاعل من وجه مفعول من وجه لأن المعنى لا يساوي هؤلاء أُولئك ولا أولئك هؤلاء ولو قال: لا يستويان لكان جائزاً ولكنَّه جاء على معنى لا يستوي المؤمنون والكافرون ويجوز أن يكون لا يستوون للاثنين لأن معنى الاثنين جماعة. { نزلاً } نصب على الحال والعامل فيه ما يتعلق به اللام من لهم. { كلما } ظرف زمان لأعيدوا. المعنى: ثم وصف سبحانه المؤمنين المذكورين في الآية المتقدمة فقال { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } أي ترتفع جنوبهم عن مواضع اضطجاعهم لصلاة الليل وهم المتهجّدون بالليل الذين يقومون عن فرشهم للصلاة عن الحسن ومجاهد وعطاء وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله ع.

السابقالتالي
2 3